د. ســليمان موسى رحال
إن النوبة السكان الأصليون في جبال النوبة يبدون عميق قلقهم من أن تركيز المجتمع الدولي تجاه الاستفتاء الخاص باستقلال جنوب السودان يعني أن جوانب مهمة جدأً في ما يسمى باتفاقية السلام الشامل قد أهملت و طالها النسيان.
لقد أوقفت إتفاقية السلام الشامل الحرب الأهلية الوحشية في جنوب السودان و جبال النوبة و النيل الأزرق و قد قوبل ذلك الإنجاز العظيم بترحيب كبير من أبناء جبال النوبة على الرغم من أن الاتفاقية في حد ذاتها فشلت في الاعتراف بمطالبهم وحقوقهم الشرعية وتلبية طموحاتهم.
على الرغم من ذلك، فالإتفاقية لم تكن مفصلة على الجنوب فقط، بل هناك بروتوكولات منفصلة تدعو إلى إجراء استفتاء في منطقة أبيي المتنازع عليها، و تدعو أيضاً إلى المشورة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان و النيل الأزرق.
لقد ظل النوبة على مدى سنوات طوال يعبرون عن قلقهم العميق في عدم الحصول على حقوقهم المشروعة الكاملة، بما في ذلك حق تقرير المصير. و على الرغم من الحملات المتكررة التي يقوم بها أبناء جبال لرفع قضيتهم و وضعها على قمة أجندة المجتمع الدولي، إلا أن مطالب النوبة لم تجد سوى الّإهمال و التجاهل من قبل المتفاوضين الذين ركزوا كل جهودهم في إيجاد حلول لمشاكل الجنوب، وترك النوبة والقضايا الأخرى ذات الصلة للتعامل معها في وقت لاحق.
وفي حقيقة الأمر أن النوبة لم يكن لديهم وجود على طاولة مفاوضات السلام، يعنى أن مطالبهم قد أبعدت تماماً و استخدمت كوسائل للتنازلات و الترضيات- على سبيل المثال الأسم التاريخي للمنطقة الموجود على خريطة العالم (جبال النوبة) فهذا الاسم الذي له معان و دلالات عظيمة على شعب جبال النوبة، قد تم تبديله في أثناء محادثات السلام إلى (جنوب كردفان) حتى يتم استيعاب قبائل البقارة المسيرية الذين كانوا في السابق يكونون ولاية غرب كردفان و التى تمت تضمينها في الولاية الوليدة – جنوب كردفان.
إن تقرير المصير هو حق أنساني لكل الشعوب وهذا وقد جاء في صلب القانون الدولي ويعتبرحق تقرير المصير في لب مطالب شعب جبال النوبة. و هذا المطلب الخاص بتقرير المصير مبني على تجارب النوبة النضالية كجزء من الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان، بالإضافة إلى التاريخ الطويل من التهميش الإقتصادي و السياسي و التمييز الديني و العرقي و الثقافي و تجريد شعوب النوبة من أرضهم و عاداتهم و تقاليدهم و أخيراً قلة الفرص في مجالات التعليم و السياسة و الاقتصاد منذ بزوغ فجر الاستقلال في عام 1956. وهذه هي العوامل الرئيسية التي أدت إلى النزاع في منطقة جبال النوبة.
النوبة لديهم الحق الكامل في أن يكون لهم كيان وطني مبني على ما يتمتعون به من تجانس و تميز و إضف إلى ذلك ما عانوه من تمييز عرقي و تهميش و حقيقة أنهم قد منعوا من حقوقهم الكاملة كأعضاء في المجتمع السوداني. إن حق النوبة في تقرير المصير هو الضمان الأساسي للحصول على حقوقهم كاملة، كما أن الانفصال هو الخيار الأخير الذي يمكن الرجوع إليه في حالة إصرار الحكومة على رفضها إعطائها حقوقهم كاملة غير منقوصة.
بالطبع إذا كان للنوبة وجود على طاولة تلك المفاوضات التي جرت في نيفاشا لما كان لتلك الترضيات أن تحدث البتة. إننا نؤمن تماماُ أن محادثات نيفاشا للسلام لم تكن فقط لإنهاء الحرب، بل أنها أيضاً كانت لتمهيد الطريق لإرساء الديمقراطية في البلاد و إيجاد حلول لقضايا الظلم و التمييز العرقي و التهميش التي طال أمدها في السودان.
كان من المفترض وجود ممثلو النوبة في مفاوضات نيفاشا حتى يتمكنوا من تقديم الحجج و البراهين لدعم و مساندة قضيتهم. فممثلو جنوب السودان في المفاوضات طرحوا قضيتهم و دعموا مطالبهم بالحجج و البراهين، فكان لهم ما أرادوا بنيلهم لحق تقرير المصير.
لقد تنبأ الكثيرون بأنه في التاسع من يناير 2011 سيصوت شعب جنوب السودان لصالح الانفصال و أننا سنشهد ميلاد دولة جديدة في مطلع هذا العام.
هناك مخاوف مسبقة في أوساط كثير من السودانيين- دبلوماسيين و مراقبين محايدين – بأن نتيجة الاستفتاء قد تثير الكثير من العنف و الأضطرابات في البلاد بأسرها.
كما أن اضطرابات سياسية و اقتصادية و اجتماعية قد تحدث على نطاق واسع. و تنبأت بعثة الأمم المتحدة في السودان بأن مئات الآلاف من المدنيين قد يفرون إلى الأقطار المجاورة إذا اندلع القتال عقب الاستفتاء.
إن انفصال الجنوب سيحدث بصورة واضحة عدم الاستقرار و العديد من المشاكل في شمال السودان، و بصورة خاصة في مناطق دار فور و جبال النوبة و النيل الأزرق و هي المناطق التي لم تحل فيها النزاعات بصورة قاطعة. إن منطقة أبيي تمثل اليوم قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي زمان إذا ما انفصل الجنوب.
كما أن إنفصال الجنوب سيكون لديه نتائجه الوخيمة على شعب جبال النوبة، لأنهم حملوا السلاح بجانب الجيش الشعبي لتحرير السودان، و حاربوا معهم في خندق واحد، كما أن عشرات الآلاف منهم قد استشهدوا في الجنوب في حرب تحرير طويلة الأمد و أنهم يكادوا لا يصدقون أنه بعد كل هذه التضحيات الجسام لم يتحصلوا على شيئ، بينما حلفاؤهم في الجنوب قد حققوا بنجاح تام كل شيئ حاربوا من أجله على مدار كل هذه السنوات الشاقة.
فالنوبة الآن أصبحوا يسألون أنفسهم هذه الأسئلة الصعبة. ماذا جنى النوبة من نضالهم الطويل الشاق؟ و على من سنلقي باللوم على هذا الفقد الكبير في الأرواح و الدمار الشامل الذي لحق بالمنطقة؟ لماذا لم تتم استشارة مواطني جبال النوبة في حمل السلاح في المقام الأول؟ لماذا انضم أبناء جبال النوبة إلى المقاومة المسلحة بدون تفويض و بدون أجندة واضحة؟ كما أن السؤال الأكثر إلحاحاً هو ماذا سيحدث لعشرات الآلاف من مقاتلي النوبة في صفوف الحركة الشعبية و قادتهم الذين يقبعون في السجون في جنوب السودان؟ و ما هو مستقبل أبناء النوبة في الجيش الشعبي لتحرير السودان عندما تغادر الحركة الشعبية لتحرير السودان الشمال متجهة جنوباُ؟
و أخيراَ، ماذا سيؤول إليه مستقبل شعب جبال النوبة و هويتهم الثقافية المتميزة في السودان الجديد؟
لقد أعلن الرئيس البشير على الملأ قائلاً " أنه في حالة انفصال الجنوب سوف نقوم بتغيير الدستور، وقتها لن يكون هنالك حديث عن التعددية الثقافية و العرقية .... و أن الشريعة و الأسلام سيكونان المصدران الرئيسيان للدستور، و سيكون الإسلام الديانة الرسمية للبلاد و تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية."
و إذا حدث ذلك بالفعل، فسوف يكون النوبة مواطنين من الدرجة الرابعة و سيكون التمييز ضدهم رسمياً باعتبار العرق و اللغة و الدين.
إن البروتوكول الخاص بمنطقتي جنوب كردفان و النيل الأزرق و المنصوص عليه في إتفاقية السلام الشامل، لم يتعامل بصورة واضحة مع مظالم أو مطالب النوبة أو إيجاد حلول للنزاعات الموجودة في المنطقة. كما أن التطبيق جاء متأخراً و شحيحاً في إيجاد حلول لمشاكل الفقر المدقع والمجاعة المستشرية و الأمراض المتفشية و عدم التنمية في مجالات التعليم و الرعاية الصحية و الخدمات العامة، و أهم من ذلك كله انعدام المساواة في السلطة و تقسيم الثروة بالنسبة لمواطني جبال النوبة.
في خلال الست سنوات من عمر الفترة الانتقالية لم تعر حكومة الوحدة الوطنية أي انتباه لمشاكل النوبة. و يبدو واضحاً أن كثيراً من الجهود قد انصب جلها في حل مشاكل جنوب السودان في محاولة مضللة لجعل الوحدة جاذبة بالنسبة للجنوبيين. كما أن الجهود الأخرى صوبت نحو إيجاد حلول لأزمة دارفور و مشاكل شرق السودان.
لقد أنشئ مؤخراً صندق مالي لدعم التنمية في شرق السودان و تم التبرع بمبلغ أربعة مليار دولار في مؤتمر عقد في دولة الكويت خصيصاّ لهذه المنطقة التي في الواقع لم تتأثر كثيراً بالحرب كمنطقتي جبال النوبة و النيل الأزرق. وهذا يوضح بجلاء أن الحكومة ليست لديها أدنى اهتمام بمواطني جبال النوبة أو التنمية في الإقليم.
لقد ظل مواطنو جبال النوبة يعانون بشدة من الإهمال و الظلم والتمييز العرقي و التهميش و الاضطهاد و الاستغلال من كل الحكومات المركزية منذ الاستقلال في عام 1956 إلى يومنا هذا.
هذه العوامل دفعت أبناء جبال النوبة لحمل السلاح مطالبين بالمساواة في قسمة السلطة و الثروة مع السودانيين الآخرين. و فوق هذ كله فهم يطالبون بأن يسود السلام و الطمأنينة إقليم جبال النوبة.
إن الوجود الحالي للقوات العسكرية المدججة بالأسلحة الثقيلة في منطقة جبال النوبة/ جنوب كردفان، هذا تهديد واضح بالحرب التي تلوح نذرها في الأفق، فإذا ما اندلعت الحرب مرة أخرى فإنها ستكون كارثة كبرى. فسيكون هناك المزيد من فقدان الأرواح البشرية و دمار شامل في المنطقة.
هذا التهديد بالحرب التي تلوح في الأفق من الأسباب التي دعت أبناء جبال النوبة الآن يتظاهرون في كل أنحاء العالم للفت انتباه المجتمع الدولي و صناع القرار ومنظمات حقوق الأنسان الدولية إلى الوضع الخطير والملتهب في جبال النوبة و الذي قد ينفجر في أي وقت بعد إجراء الاستفتاء.
إن أبناء النوبة يناشدون منظمة الإيقاد و المجمتع الدولي بأن تكون جبال النوبة منطقة خالية من أي وجود عسكري و أن تتم عوضاً عن ذلك نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لحماية المدنيين.
إن قوات حفظ السلام المصرية التابعة للأمم المتحدة الموجودة حالياً في جبال النوبة منحازة و يجب استبدالها بقوات أخرى لحفظ السلام في الإقليم.
و الآن إلي استعراض لما يسمى بالمشورة الشعبية الخاصة بمنطقتي جنوب كردفان و النيل الأزرق.
إن المشورة الشعبية مصطلح فضفاض و غامض و لا يقود لأي شيئ سوى أنه وصفة لمزيد من النزاعات. فهو مصطلح قابل لكثير من التأويلات و أنه ليس خياراً يقود إلى حق تقرير المصير أو حكم ذاتي لشعب جبال النوبة. كما أنه لم يعرف بصورة واضحة في الدستور السوداني المؤقت كعملية ديمقراطية يقوم بها المواطن العادي شبيهة أومماثلة لتلك التي حدثت في منطقة تيمور الشرقية.
ففي حالة جنوب كردفان، فإن المشورة الشعبية تمر عبر عمليات معقدة و بطيئة و بعد ذلك تذهب المحصلة النهائية لمداولات أعضاء المجلس التشريعي (البرلمان) و الذي يرفعه بدوره إلى مجلس الرئاسة الذي سيصدر القرار النهائي. وهذه ليست بالديمقراطية الشعبية العروفة، أضف إلى ذلك أن أي من الممثلين لم يتم إنتخابهم بعد في المنطقة، إذ أن الانتخابات الخاصة بولاية جنوب كردفان قد تم تأجيلها مراراً و تكراراً.
فالسؤال الذي يطرح نفسه، إذا إختار ممثلو المجلس التشريعي رفضوا كل ما جاء في البروتوكول و طالبوا عوضاً عن ذلك بحق تقرير المصير هل ستقبل الحكومة ذلك؟ و هذا يوضح بجلاء تام كيف تعاملت إتفاقية السلام الشامل لقضية شعب النوبة من خداع وغش وذلك بمنحهم المشورة الشعبية بدلاً من منحهم الحق الكامل في تقرير مصيرهم.
يبدى الكثيرون من أبناء جبال النوبة قلقهم تجاه مسألة المشورة الشعبية، إذ يخشون من أنهم قد لا يمنحون الفرصة لممارسنها بمجرد انتهاء استفتاء الجنوب الخاص بتقرير المصير.
ويناشد أبناء جبال النوبة المجتمع الدولي بأن لا يغض الطرف عن مطالبهم، فالمجتمع الدولي لديه مسؤولية تجاه المواطنين الأصليين في جبال النوبة و أن مطالبهم تتمثل في الآتي:
1. سحب كل القوات المسلحة وآلياتها الثقيلة الموجودة بالإقليم وفي المناطق الحدودية لجبال النوبة مع جنوب السودان وأن يتم استبدالها بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
2. يجب سحب قوات حفظ السلام المصرية التابعة للأمم المتحدة المتواجدة في جنوب كردفان و التي لا تتمتع بالحياد من الإقليم و أن يحل محلها قوات حفظ سلام أخرى تابعة للأمم المتحدة.
3. أن يتم تنفيذ المشورة الشعبية في أسرع وقت ممكن بعد إستفتاء الجنوب في جوي حر و آمن تحت إشراف الأمم المتحدة و المرافبين الدوليين.
4. أن يتم الاعتراف والقبول بحق سكان جبال النوبة في تقرير مصيرهم بالإضافة إلى الاعتراف و القبول بحقهم المشروع في التمتع بهويتهم العرقية و الثقافية.
5. الإسراع بإطلاق سراح قادة النوبة المعتقلين في سجون جنوب السودان فوراً و هم: القائد تلفون كوكو أبو جلحة و القائد أبوبكر كادو و القائد جمعة الوكيل و القائد تية كافي رحال.
6. الإسراع بإطلاق سراح آلاف المقاتلين من أبناء النوبة المحبوسين حتى هذه اللحظة في جنوب السودان.
د. ســليمان موسى رحال
رئيس منبر جبال النوبة الديمقراطي
Nuba Mountains Democratic Forum
P. Box 486, Hayes
Middlesex UB3 3WZ
United Kingdom
إن النوبة السكان الأصليون في جبال النوبة يبدون عميق قلقهم من أن تركيز المجتمع الدولي تجاه الاستفتاء الخاص باستقلال جنوب السودان يعني أن جوانب مهمة جدأً في ما يسمى باتفاقية السلام الشامل قد أهملت و طالها النسيان.
لقد أوقفت إتفاقية السلام الشامل الحرب الأهلية الوحشية في جنوب السودان و جبال النوبة و النيل الأزرق و قد قوبل ذلك الإنجاز العظيم بترحيب كبير من أبناء جبال النوبة على الرغم من أن الاتفاقية في حد ذاتها فشلت في الاعتراف بمطالبهم وحقوقهم الشرعية وتلبية طموحاتهم.
على الرغم من ذلك، فالإتفاقية لم تكن مفصلة على الجنوب فقط، بل هناك بروتوكولات منفصلة تدعو إلى إجراء استفتاء في منطقة أبيي المتنازع عليها، و تدعو أيضاً إلى المشورة الشعبية في ولايتي جنوب كردفان و النيل الأزرق.
لقد ظل النوبة على مدى سنوات طوال يعبرون عن قلقهم العميق في عدم الحصول على حقوقهم المشروعة الكاملة، بما في ذلك حق تقرير المصير. و على الرغم من الحملات المتكررة التي يقوم بها أبناء جبال لرفع قضيتهم و وضعها على قمة أجندة المجتمع الدولي، إلا أن مطالب النوبة لم تجد سوى الّإهمال و التجاهل من قبل المتفاوضين الذين ركزوا كل جهودهم في إيجاد حلول لمشاكل الجنوب، وترك النوبة والقضايا الأخرى ذات الصلة للتعامل معها في وقت لاحق.
وفي حقيقة الأمر أن النوبة لم يكن لديهم وجود على طاولة مفاوضات السلام، يعنى أن مطالبهم قد أبعدت تماماً و استخدمت كوسائل للتنازلات و الترضيات- على سبيل المثال الأسم التاريخي للمنطقة الموجود على خريطة العالم (جبال النوبة) فهذا الاسم الذي له معان و دلالات عظيمة على شعب جبال النوبة، قد تم تبديله في أثناء محادثات السلام إلى (جنوب كردفان) حتى يتم استيعاب قبائل البقارة المسيرية الذين كانوا في السابق يكونون ولاية غرب كردفان و التى تمت تضمينها في الولاية الوليدة – جنوب كردفان.
إن تقرير المصير هو حق أنساني لكل الشعوب وهذا وقد جاء في صلب القانون الدولي ويعتبرحق تقرير المصير في لب مطالب شعب جبال النوبة. و هذا المطلب الخاص بتقرير المصير مبني على تجارب النوبة النضالية كجزء من الحركة الشعبية و الجيش الشعبي لتحرير السودان، بالإضافة إلى التاريخ الطويل من التهميش الإقتصادي و السياسي و التمييز الديني و العرقي و الثقافي و تجريد شعوب النوبة من أرضهم و عاداتهم و تقاليدهم و أخيراً قلة الفرص في مجالات التعليم و السياسة و الاقتصاد منذ بزوغ فجر الاستقلال في عام 1956. وهذه هي العوامل الرئيسية التي أدت إلى النزاع في منطقة جبال النوبة.
النوبة لديهم الحق الكامل في أن يكون لهم كيان وطني مبني على ما يتمتعون به من تجانس و تميز و إضف إلى ذلك ما عانوه من تمييز عرقي و تهميش و حقيقة أنهم قد منعوا من حقوقهم الكاملة كأعضاء في المجتمع السوداني. إن حق النوبة في تقرير المصير هو الضمان الأساسي للحصول على حقوقهم كاملة، كما أن الانفصال هو الخيار الأخير الذي يمكن الرجوع إليه في حالة إصرار الحكومة على رفضها إعطائها حقوقهم كاملة غير منقوصة.
بالطبع إذا كان للنوبة وجود على طاولة تلك المفاوضات التي جرت في نيفاشا لما كان لتلك الترضيات أن تحدث البتة. إننا نؤمن تماماُ أن محادثات نيفاشا للسلام لم تكن فقط لإنهاء الحرب، بل أنها أيضاً كانت لتمهيد الطريق لإرساء الديمقراطية في البلاد و إيجاد حلول لقضايا الظلم و التمييز العرقي و التهميش التي طال أمدها في السودان.
كان من المفترض وجود ممثلو النوبة في مفاوضات نيفاشا حتى يتمكنوا من تقديم الحجج و البراهين لدعم و مساندة قضيتهم. فممثلو جنوب السودان في المفاوضات طرحوا قضيتهم و دعموا مطالبهم بالحجج و البراهين، فكان لهم ما أرادوا بنيلهم لحق تقرير المصير.
لقد تنبأ الكثيرون بأنه في التاسع من يناير 2011 سيصوت شعب جنوب السودان لصالح الانفصال و أننا سنشهد ميلاد دولة جديدة في مطلع هذا العام.
هناك مخاوف مسبقة في أوساط كثير من السودانيين- دبلوماسيين و مراقبين محايدين – بأن نتيجة الاستفتاء قد تثير الكثير من العنف و الأضطرابات في البلاد بأسرها.
كما أن اضطرابات سياسية و اقتصادية و اجتماعية قد تحدث على نطاق واسع. و تنبأت بعثة الأمم المتحدة في السودان بأن مئات الآلاف من المدنيين قد يفرون إلى الأقطار المجاورة إذا اندلع القتال عقب الاستفتاء.
إن انفصال الجنوب سيحدث بصورة واضحة عدم الاستقرار و العديد من المشاكل في شمال السودان، و بصورة خاصة في مناطق دار فور و جبال النوبة و النيل الأزرق و هي المناطق التي لم تحل فيها النزاعات بصورة قاطعة. إن منطقة أبيي تمثل اليوم قنبلة موقوتة قابلة للانفجار في أي زمان إذا ما انفصل الجنوب.
كما أن إنفصال الجنوب سيكون لديه نتائجه الوخيمة على شعب جبال النوبة، لأنهم حملوا السلاح بجانب الجيش الشعبي لتحرير السودان، و حاربوا معهم في خندق واحد، كما أن عشرات الآلاف منهم قد استشهدوا في الجنوب في حرب تحرير طويلة الأمد و أنهم يكادوا لا يصدقون أنه بعد كل هذه التضحيات الجسام لم يتحصلوا على شيئ، بينما حلفاؤهم في الجنوب قد حققوا بنجاح تام كل شيئ حاربوا من أجله على مدار كل هذه السنوات الشاقة.
فالنوبة الآن أصبحوا يسألون أنفسهم هذه الأسئلة الصعبة. ماذا جنى النوبة من نضالهم الطويل الشاق؟ و على من سنلقي باللوم على هذا الفقد الكبير في الأرواح و الدمار الشامل الذي لحق بالمنطقة؟ لماذا لم تتم استشارة مواطني جبال النوبة في حمل السلاح في المقام الأول؟ لماذا انضم أبناء جبال النوبة إلى المقاومة المسلحة بدون تفويض و بدون أجندة واضحة؟ كما أن السؤال الأكثر إلحاحاً هو ماذا سيحدث لعشرات الآلاف من مقاتلي النوبة في صفوف الحركة الشعبية و قادتهم الذين يقبعون في السجون في جنوب السودان؟ و ما هو مستقبل أبناء النوبة في الجيش الشعبي لتحرير السودان عندما تغادر الحركة الشعبية لتحرير السودان الشمال متجهة جنوباُ؟
و أخيراَ، ماذا سيؤول إليه مستقبل شعب جبال النوبة و هويتهم الثقافية المتميزة في السودان الجديد؟
لقد أعلن الرئيس البشير على الملأ قائلاً " أنه في حالة انفصال الجنوب سوف نقوم بتغيير الدستور، وقتها لن يكون هنالك حديث عن التعددية الثقافية و العرقية .... و أن الشريعة و الأسلام سيكونان المصدران الرئيسيان للدستور، و سيكون الإسلام الديانة الرسمية للبلاد و تكون اللغة العربية هي اللغة الرسمية."
و إذا حدث ذلك بالفعل، فسوف يكون النوبة مواطنين من الدرجة الرابعة و سيكون التمييز ضدهم رسمياً باعتبار العرق و اللغة و الدين.
إن البروتوكول الخاص بمنطقتي جنوب كردفان و النيل الأزرق و المنصوص عليه في إتفاقية السلام الشامل، لم يتعامل بصورة واضحة مع مظالم أو مطالب النوبة أو إيجاد حلول للنزاعات الموجودة في المنطقة. كما أن التطبيق جاء متأخراً و شحيحاً في إيجاد حلول لمشاكل الفقر المدقع والمجاعة المستشرية و الأمراض المتفشية و عدم التنمية في مجالات التعليم و الرعاية الصحية و الخدمات العامة، و أهم من ذلك كله انعدام المساواة في السلطة و تقسيم الثروة بالنسبة لمواطني جبال النوبة.
في خلال الست سنوات من عمر الفترة الانتقالية لم تعر حكومة الوحدة الوطنية أي انتباه لمشاكل النوبة. و يبدو واضحاً أن كثيراً من الجهود قد انصب جلها في حل مشاكل جنوب السودان في محاولة مضللة لجعل الوحدة جاذبة بالنسبة للجنوبيين. كما أن الجهود الأخرى صوبت نحو إيجاد حلول لأزمة دارفور و مشاكل شرق السودان.
لقد أنشئ مؤخراً صندق مالي لدعم التنمية في شرق السودان و تم التبرع بمبلغ أربعة مليار دولار في مؤتمر عقد في دولة الكويت خصيصاّ لهذه المنطقة التي في الواقع لم تتأثر كثيراً بالحرب كمنطقتي جبال النوبة و النيل الأزرق. وهذا يوضح بجلاء أن الحكومة ليست لديها أدنى اهتمام بمواطني جبال النوبة أو التنمية في الإقليم.
لقد ظل مواطنو جبال النوبة يعانون بشدة من الإهمال و الظلم والتمييز العرقي و التهميش و الاضطهاد و الاستغلال من كل الحكومات المركزية منذ الاستقلال في عام 1956 إلى يومنا هذا.
هذه العوامل دفعت أبناء جبال النوبة لحمل السلاح مطالبين بالمساواة في قسمة السلطة و الثروة مع السودانيين الآخرين. و فوق هذ كله فهم يطالبون بأن يسود السلام و الطمأنينة إقليم جبال النوبة.
إن الوجود الحالي للقوات العسكرية المدججة بالأسلحة الثقيلة في منطقة جبال النوبة/ جنوب كردفان، هذا تهديد واضح بالحرب التي تلوح نذرها في الأفق، فإذا ما اندلعت الحرب مرة أخرى فإنها ستكون كارثة كبرى. فسيكون هناك المزيد من فقدان الأرواح البشرية و دمار شامل في المنطقة.
هذا التهديد بالحرب التي تلوح في الأفق من الأسباب التي دعت أبناء جبال النوبة الآن يتظاهرون في كل أنحاء العالم للفت انتباه المجتمع الدولي و صناع القرار ومنظمات حقوق الأنسان الدولية إلى الوضع الخطير والملتهب في جبال النوبة و الذي قد ينفجر في أي وقت بعد إجراء الاستفتاء.
إن أبناء النوبة يناشدون منظمة الإيقاد و المجمتع الدولي بأن تكون جبال النوبة منطقة خالية من أي وجود عسكري و أن تتم عوضاً عن ذلك نشر قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة لحماية المدنيين.
إن قوات حفظ السلام المصرية التابعة للأمم المتحدة الموجودة حالياً في جبال النوبة منحازة و يجب استبدالها بقوات أخرى لحفظ السلام في الإقليم.
و الآن إلي استعراض لما يسمى بالمشورة الشعبية الخاصة بمنطقتي جنوب كردفان و النيل الأزرق.
إن المشورة الشعبية مصطلح فضفاض و غامض و لا يقود لأي شيئ سوى أنه وصفة لمزيد من النزاعات. فهو مصطلح قابل لكثير من التأويلات و أنه ليس خياراً يقود إلى حق تقرير المصير أو حكم ذاتي لشعب جبال النوبة. كما أنه لم يعرف بصورة واضحة في الدستور السوداني المؤقت كعملية ديمقراطية يقوم بها المواطن العادي شبيهة أومماثلة لتلك التي حدثت في منطقة تيمور الشرقية.
ففي حالة جنوب كردفان، فإن المشورة الشعبية تمر عبر عمليات معقدة و بطيئة و بعد ذلك تذهب المحصلة النهائية لمداولات أعضاء المجلس التشريعي (البرلمان) و الذي يرفعه بدوره إلى مجلس الرئاسة الذي سيصدر القرار النهائي. وهذه ليست بالديمقراطية الشعبية العروفة، أضف إلى ذلك أن أي من الممثلين لم يتم إنتخابهم بعد في المنطقة، إذ أن الانتخابات الخاصة بولاية جنوب كردفان قد تم تأجيلها مراراً و تكراراً.
فالسؤال الذي يطرح نفسه، إذا إختار ممثلو المجلس التشريعي رفضوا كل ما جاء في البروتوكول و طالبوا عوضاً عن ذلك بحق تقرير المصير هل ستقبل الحكومة ذلك؟ و هذا يوضح بجلاء تام كيف تعاملت إتفاقية السلام الشامل لقضية شعب النوبة من خداع وغش وذلك بمنحهم المشورة الشعبية بدلاً من منحهم الحق الكامل في تقرير مصيرهم.
يبدى الكثيرون من أبناء جبال النوبة قلقهم تجاه مسألة المشورة الشعبية، إذ يخشون من أنهم قد لا يمنحون الفرصة لممارسنها بمجرد انتهاء استفتاء الجنوب الخاص بتقرير المصير.
ويناشد أبناء جبال النوبة المجتمع الدولي بأن لا يغض الطرف عن مطالبهم، فالمجتمع الدولي لديه مسؤولية تجاه المواطنين الأصليين في جبال النوبة و أن مطالبهم تتمثل في الآتي:
1. سحب كل القوات المسلحة وآلياتها الثقيلة الموجودة بالإقليم وفي المناطق الحدودية لجبال النوبة مع جنوب السودان وأن يتم استبدالها بقوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة.
2. يجب سحب قوات حفظ السلام المصرية التابعة للأمم المتحدة المتواجدة في جنوب كردفان و التي لا تتمتع بالحياد من الإقليم و أن يحل محلها قوات حفظ سلام أخرى تابعة للأمم المتحدة.
3. أن يتم تنفيذ المشورة الشعبية في أسرع وقت ممكن بعد إستفتاء الجنوب في جوي حر و آمن تحت إشراف الأمم المتحدة و المرافبين الدوليين.
4. أن يتم الاعتراف والقبول بحق سكان جبال النوبة في تقرير مصيرهم بالإضافة إلى الاعتراف و القبول بحقهم المشروع في التمتع بهويتهم العرقية و الثقافية.
5. الإسراع بإطلاق سراح قادة النوبة المعتقلين في سجون جنوب السودان فوراً و هم: القائد تلفون كوكو أبو جلحة و القائد أبوبكر كادو و القائد جمعة الوكيل و القائد تية كافي رحال.
6. الإسراع بإطلاق سراح آلاف المقاتلين من أبناء النوبة المحبوسين حتى هذه اللحظة في جنوب السودان.
د. ســليمان موسى رحال
رئيس منبر جبال النوبة الديمقراطي
Nuba Mountains Democratic Forum
P. Box 486, Hayes
Middlesex UB3 3WZ
United Kingdom