مناطق الهامش وتحديات المرحلة الراهنة (5)
شطَّة الحركة الشعبية ولا ديمقراطية المؤتمر الوطني
د.النور الوكيل الزبير
mosonur2003@yahoo.no
لم يجف مداد قلمي بعد، ولم تُطْوَ صفحات مقالي لهذه اللحظة وأنا أناشد أهل البصيرة والحل والعقد لإعمال عقولهم مجاهرة بالحق و إرسال أصواتهم داوية إعلاءً للمصلحة الوطنية وضرورة تحكيم حكمتهم إرساءً لأواصر الوحدة الوطنية بين إثنيات السودان المختلفة بغية الخروج من وهدة المشكلات المصطنعة والتي ما أن راوحت مكانها برهة إلاّ وعادت سريعة الخطى لتتبوأ مقامها في كومة الهموم السودانية التي قُدِّر لها الاستحواذ على تفكير المواطن السوداني المغلوب على أمره كاستحكام السِوار بالمعصم. حقاً وكما يقول المثل: مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد، فمصائر الشعوب وأزماتها ومصائبها لا يصطنعها سوى تلكم الفئة التي لا تملك وازعاً من ضميرٍ أو حتى ذرةً من حسٍ تُنذِر صاحبها بأن هنالك رقيب لا تأخذه سنة ولا نوم يرصد كل صغيرة و كبيرة مما تعتمل في النفوس ويعلم خائنة الأنفس وما تخفى الصدور. تلكم هي الفئة التي ما إن مكَّنَهم الله سبحانه وتعالى في الأرض وملكوا ناصية المُلْك فيها إلاّ وسعوا فيها بغياً وإفساداً وأفشوا البلبلة والخوف في نفوس العباد وأحالوا أمنهم وسكينتهم إلى جحيم لا يطاق، لا يَرْقُبون في مسلمٍ إلا ولا ذمةً ولا يراقبون الله في نفوسهم خِيفةً أو رهبةً، فاستوى الخير والشر لديهم وأعمتهم أعمالهم السيئة وغدت بصائرهم مغشِيَّة عليها وضمائرهم قاتمة معتَّمة وقلوبهم كالحجارة قسوة، بل أنّ الله قد استلطف بالحجارة فقال في محكم تنزيله (ثمّ قَسَت قلوبُكم مِنْ بعدِ ذلك فهي كالحِجَارةِ أو أشدُّ قُسوةً وإنَّ مِنَ الحِجَارةِ لما يتفجَّرُ منه الأنهار وإنّ منها لما يشَّقَّقُ فيخرج منه الماء وإنّ منها لَمَا يَهبِطُ من خِشيَةِ الله وما الله بغافِلٍ عَمَّا تَعملُونَ) سورة البقرة (74)؛ أجلٌ؛ تلك هي الحِجَارةُ رؤوفةٌ رؤومةٌ وهؤلاء هم جليسو كراسي السلطة بلا رحمةٍ أو رأفة بالعباد، ويترفلون أثواب الضغينة خيلاءً وعزاً زائلاً، يغرسون أنيابهم في جسد الأمة الواحدة إيلاماً وتفريقاً وينفثون سموم الفساد في الأرض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
عجباً لإستراتيجية المؤتمر الوطني وأجندته المعلنة منها والمخفية؛ فهم ينثرون الورد ضحىً مودةً حتى إذا جَنَّ الليلُ غدت الورودُ شوكاً غايتها الإدماء والإيذاء، يروحون نهاراً وأبواق حناجرهم تملأ فضاوات السماوات تكبيراً وتهليلاً ثم لا يلبثوا يدُسُّون السُّم الزعاف خلسةً وجهراً، لا يأبهون البتَّه إن تفرَّقت العشيرة الواحدةُ أم الأُمة السودانية الكاملة، ديدنهم في ذلك خلق البلبلةَ وإشباع الناس هلعاً وزلزلةً لِيَسُودُوا بتفرق الأسرِ وتشرُّد بنيها في الأمصار وشتَّى الأقطار.
بلى، فقد تناولتُ قضية الوحدة الوطنية وكيف تَتَمَتَّنُ قواعدها، وأسهبتُ في شرح دعائم النسيج الاجتماعي للأمة الواحدة، وعَلامَ يتمدد ويقوى لِيظَلِّل أركان المجتمع قاطبة، وناشَدْتُّ أرباب الأمور والساسة لتغليب صوت العقل والمصلحة العامة على النزوات العارضة الزائلة، وكلي أمل إن ينبلج صبحُ جديدٌ على الأمة السودانية يتنسَّمون فيه رياح المواطنة الصادقة التي تُغذِيها روح الانتماء الصادق للوطن الواحد. إن ما يجري خلف الكواليس من دسائسٍ وفتنٍ من الأنظمة السودانية المتعاقبة على الحكم لتؤكد بما لا يدع مجالاً للظن بأن الأمنية التي أحلم بها هي سرابٌ لن يُدْرَكْ منالها وإن طالت الخُطَى وتضاعفت، وإن اشرأبت لها العناق وتطاولت، ولن يُكْتَبُ لنا هناء البال ولا العيش في وئام أو سلام. أنَّى للشعب السوداني بالبشرِ واليسرِ وهو قد كُتِبَ عليه العيش في دوامة الحروب وديمومة الهموم واللهث وراء لقمة العيش، يكابد المشاق بلا هوادة وتتلفحه أشعة الشمس بلا رأفة، لسان حاله القبول والصبر بقسمة الله العزيز المقتدر.
اليوم تتفضَّلُ علينا أنظمة المؤتمر الوطني الحاكم بمؤامرةِ تنظيم وتكوين حزب جاد الديمقراطي بجبال النوبة وإملاء أجندة المؤتمر عليه دون حياء أو ثَمَّةَ وازعٍ من ضميرِ وهم يرسمون أهداف الحزب الوليد، بل وتوفير أسباب التمكين له، لينهش بذلك جسدَ جبال النوبة المنهوك أصلاً؛ كيف لا وجبال النوبة لم تخرج من غرفة الإنعاش إلا قريباً فإذا بها وبأبنائها يُؤخَذان على حين غرةٍ بخبث أمانة الاتصال التنظيمي بحزب المؤتمر الوطني وهي تحقن الجبال بعقار تقطيع الأوصال اسمه جاد ـ جاد الله عليه وعلى مناصريه بالويل والثبور وجعل كيدهم في نحورهم، وأحفظنا يا الله بكريم عنايتك ولطف تدبيرك من شر خلقك ونفاثات عبادك.
من يطَّلِع على برنامج الحزب الموبوء بالمؤامرات على جبال النوبة ليدرك حجم الكارثة المحدقة بهذه الرقعة الوادعة والمسالمة من أرض السودان، والتي ظلَّت منذ القدم مساحة للتنافس غير الشريف لكافة الفعاليات والأحزاب السياسية السودانية والتي أنكرت سنيناً على المنطقة بمشروعية حقها في العيش بأمن وسلام وارتأت إدارتها وُفُقِ إستراتيجية التقسيم الطائفي والولاء الحزبي الهادفين إلى تمكين هؤلاء الطفيليين من الإثراء والإيثار بخيرات المنطقة دون اليسير من رد الجميل أو مقابلة الإحسان بالإحسان. فمنطقة جبال النوبة قد غدت حديقة خلفية لتأمين احتياجات الساسة وزمرتهم للوصول لمرافئ أهدافهم وتطلعاتهم وعليها تأبى نفوسهم أن يَرتَقِي لها أبنٌ من أبناء جِلدَتها يكون نبراساً أو منارةً يُهتَدى به في غياهب الظلمات السياسية أو المظالم الاجتماعية والتنموية. إنَّ السؤال الذي يطفح للسطح دوماً هو: ماذا اقترفنا من ذنبٍ أو جُرمٍ حتى يُكتَب علينا العيش في دوامة الفتنِ والاحتراب؟ وهل يتوجَّب علينا العيشَ أذلاء أينما وُجِدنا في سهول الوديان أو حَلَلْنا في أطراف المدائن؟ وهل شيمتنا هي النعت بسواد الإدام المُطَوِّقة لفاخر البنيان تارة أو بالجنوبيين الجدد إنْ تفرَّقت كلمة القوم وأدَّت للانفصال تارةٌ أُخرى؟ فهل أهْلَك القوم إلا ذِلَل اللسان!!
إنَّ تزامن هذا المقال مع تصريح السيِّد/ باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان والذي إتَّهم فيه صراحة المؤتمر الوطني الحاكم ورئيسه السيِّد/ عمر البشير بتكوين وتدريب وتمويل ميليشيات جنوبية موالية للمؤتمر الوطني والدفع بها للحدود بهدف تغيير حكومة الجنوب قبل التاسع من يوليو القادم لَيٌدعِم ويُعزِّز، بل ويؤكِّد ضخامة التآمر الذي يُنظَّم حلقاته لزعزعة أركان الحركة الشعبية لتحرير السودان في كل موضع وموقع بالسودان، وبالأخص جبال النوبة (وسترك يا رب).
إنَّ الأموال التي تُغَذَّى بها ذوي الضمائر الميِّتة هؤلاء لإشعال الفتنة وإضرام نيرانها في سكون الجبال ووداعتها ومن ثَمَّ زعزعة الاستقرار والإعمار، لحرِّي لها أن تُوَظَّف للتنمية والاستثمار إن ابتغت الطُغَمُ الحاكمة موالاة أهل الجبال لها ومؤازرتها. إنَّ رضاء الرعية عن وُلاتِها لا تُشْتَرى بالأموال ولا تُنالُ عُنْوةً بالإرهاب ولكنها إحساس يُوهَب وعاطفة تُكْسَب؛ إنَّ تسخير تلك الأموال لإثارة الشحناء وتغذية روافد البغضاء بين أبناء المنطقة ونسيجها الاجتماعي ستتولَّد عنها عاصفة ٌ تدك حصوناً ظنَّ القوم أنها بمنـأى عنها، وكما يقول المثل: "اللِّي بيتو قزاز ما يجدِّع الناس بالحِجار". إنَّ أزمات المشاكل السودانية هي أزمة ضمائر فهي لا تستعصي على الإدراك والفهم ولكنها تخليق مخطط لها باتساق ما إن تخبو وتيرتها إلا وتولَّدت عنها أخرى هي أنكى وأمر من أولها، وهكذا يصطادُ القوم من عكرِ المياه الآسنة التي ألفوا الإسباح فيها.
إنَّ شطَّة الحركة الشعبية ـ ورغم حرارتها أحياناً ـ إلا أنَّها تفتح النفسَ لِ(س) من الأُمور لا تُدْرك في غيرِها، أما ديمقراطية المؤتمر الوطني المزعومة هذه فهي تحمل في ثناياها سُمَّاً زعافاً بانت نتائجه في كثيرٍ من أبناء جبال النوبة بُعَيد إعلان الجهاد على المنطقة وقبلها وجلبت عليها وعلى مواطنها التشتت فتفرَّقت الناس أشتاتاً وأشتات ودُكَّ إسفين الانقسام في نسيج الوحدة الوطنية الذي وَهُنَ واتسعت خُرقته المُتَّسعة أصلاً. على أبناء الجبال والذين يعاونون ذوي النفوس المُغْرِضة أن ينتبهوا لجملة المؤامرات التي لا زالت تُحاك على منطقتهم وعلى أهلهم، وما يمتلكون من القليل لأسباب عيشهم، أقولُ لهم قُوُّوا أنفسكم، وصُونوا أهلكم، وأمعِنوا النظر في نتائج وإفرازات الحروب بينكم، وأعلموا أنَّ ما كَسَبْتُم من نعمةٍ ضُحىً فهي لا محالة زائلة مساءً، وما غنمتم وضح النهار فهو مسلوب دُجى الليل، وتذَكَّروا أنَّ الفتنةَ والسَّاعين لها لن تُمحَ من ذاكرة شعوبِكم الصابرة على المحن والبلاء وعليكم ألا تنساقوا وراء ذلكم الطَّعم من ملايين البنك الزراعي هذه، فإن أوَّله مضغة وآخره منغصة لا تَنْفكَّ تجري في دماء الخونة ذمَّاً وتأنيباً.
شطَّة الحركة الشعبية ولا ديمقراطية المؤتمر الوطني
د.النور الوكيل الزبير
mosonur2003@yahoo.no
لم يجف مداد قلمي بعد، ولم تُطْوَ صفحات مقالي لهذه اللحظة وأنا أناشد أهل البصيرة والحل والعقد لإعمال عقولهم مجاهرة بالحق و إرسال أصواتهم داوية إعلاءً للمصلحة الوطنية وضرورة تحكيم حكمتهم إرساءً لأواصر الوحدة الوطنية بين إثنيات السودان المختلفة بغية الخروج من وهدة المشكلات المصطنعة والتي ما أن راوحت مكانها برهة إلاّ وعادت سريعة الخطى لتتبوأ مقامها في كومة الهموم السودانية التي قُدِّر لها الاستحواذ على تفكير المواطن السوداني المغلوب على أمره كاستحكام السِوار بالمعصم. حقاً وكما يقول المثل: مصائب قومٍ عند قومٍ فوائد، فمصائر الشعوب وأزماتها ومصائبها لا يصطنعها سوى تلكم الفئة التي لا تملك وازعاً من ضميرٍ أو حتى ذرةً من حسٍ تُنذِر صاحبها بأن هنالك رقيب لا تأخذه سنة ولا نوم يرصد كل صغيرة و كبيرة مما تعتمل في النفوس ويعلم خائنة الأنفس وما تخفى الصدور. تلكم هي الفئة التي ما إن مكَّنَهم الله سبحانه وتعالى في الأرض وملكوا ناصية المُلْك فيها إلاّ وسعوا فيها بغياً وإفساداً وأفشوا البلبلة والخوف في نفوس العباد وأحالوا أمنهم وسكينتهم إلى جحيم لا يطاق، لا يَرْقُبون في مسلمٍ إلا ولا ذمةً ولا يراقبون الله في نفوسهم خِيفةً أو رهبةً، فاستوى الخير والشر لديهم وأعمتهم أعمالهم السيئة وغدت بصائرهم مغشِيَّة عليها وضمائرهم قاتمة معتَّمة وقلوبهم كالحجارة قسوة، بل أنّ الله قد استلطف بالحجارة فقال في محكم تنزيله (ثمّ قَسَت قلوبُكم مِنْ بعدِ ذلك فهي كالحِجَارةِ أو أشدُّ قُسوةً وإنَّ مِنَ الحِجَارةِ لما يتفجَّرُ منه الأنهار وإنّ منها لما يشَّقَّقُ فيخرج منه الماء وإنّ منها لَمَا يَهبِطُ من خِشيَةِ الله وما الله بغافِلٍ عَمَّا تَعملُونَ) سورة البقرة (74)؛ أجلٌ؛ تلك هي الحِجَارةُ رؤوفةٌ رؤومةٌ وهؤلاء هم جليسو كراسي السلطة بلا رحمةٍ أو رأفة بالعباد، ويترفلون أثواب الضغينة خيلاءً وعزاً زائلاً، يغرسون أنيابهم في جسد الأمة الواحدة إيلاماً وتفريقاً وينفثون سموم الفساد في الأرض وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً.
عجباً لإستراتيجية المؤتمر الوطني وأجندته المعلنة منها والمخفية؛ فهم ينثرون الورد ضحىً مودةً حتى إذا جَنَّ الليلُ غدت الورودُ شوكاً غايتها الإدماء والإيذاء، يروحون نهاراً وأبواق حناجرهم تملأ فضاوات السماوات تكبيراً وتهليلاً ثم لا يلبثوا يدُسُّون السُّم الزعاف خلسةً وجهراً، لا يأبهون البتَّه إن تفرَّقت العشيرة الواحدةُ أم الأُمة السودانية الكاملة، ديدنهم في ذلك خلق البلبلةَ وإشباع الناس هلعاً وزلزلةً لِيَسُودُوا بتفرق الأسرِ وتشرُّد بنيها في الأمصار وشتَّى الأقطار.
بلى، فقد تناولتُ قضية الوحدة الوطنية وكيف تَتَمَتَّنُ قواعدها، وأسهبتُ في شرح دعائم النسيج الاجتماعي للأمة الواحدة، وعَلامَ يتمدد ويقوى لِيظَلِّل أركان المجتمع قاطبة، وناشَدْتُّ أرباب الأمور والساسة لتغليب صوت العقل والمصلحة العامة على النزوات العارضة الزائلة، وكلي أمل إن ينبلج صبحُ جديدٌ على الأمة السودانية يتنسَّمون فيه رياح المواطنة الصادقة التي تُغذِيها روح الانتماء الصادق للوطن الواحد. إن ما يجري خلف الكواليس من دسائسٍ وفتنٍ من الأنظمة السودانية المتعاقبة على الحكم لتؤكد بما لا يدع مجالاً للظن بأن الأمنية التي أحلم بها هي سرابٌ لن يُدْرَكْ منالها وإن طالت الخُطَى وتضاعفت، وإن اشرأبت لها العناق وتطاولت، ولن يُكْتَبُ لنا هناء البال ولا العيش في وئام أو سلام. أنَّى للشعب السوداني بالبشرِ واليسرِ وهو قد كُتِبَ عليه العيش في دوامة الحروب وديمومة الهموم واللهث وراء لقمة العيش، يكابد المشاق بلا هوادة وتتلفحه أشعة الشمس بلا رأفة، لسان حاله القبول والصبر بقسمة الله العزيز المقتدر.
اليوم تتفضَّلُ علينا أنظمة المؤتمر الوطني الحاكم بمؤامرةِ تنظيم وتكوين حزب جاد الديمقراطي بجبال النوبة وإملاء أجندة المؤتمر عليه دون حياء أو ثَمَّةَ وازعٍ من ضميرِ وهم يرسمون أهداف الحزب الوليد، بل وتوفير أسباب التمكين له، لينهش بذلك جسدَ جبال النوبة المنهوك أصلاً؛ كيف لا وجبال النوبة لم تخرج من غرفة الإنعاش إلا قريباً فإذا بها وبأبنائها يُؤخَذان على حين غرةٍ بخبث أمانة الاتصال التنظيمي بحزب المؤتمر الوطني وهي تحقن الجبال بعقار تقطيع الأوصال اسمه جاد ـ جاد الله عليه وعلى مناصريه بالويل والثبور وجعل كيدهم في نحورهم، وأحفظنا يا الله بكريم عنايتك ولطف تدبيرك من شر خلقك ونفاثات عبادك.
من يطَّلِع على برنامج الحزب الموبوء بالمؤامرات على جبال النوبة ليدرك حجم الكارثة المحدقة بهذه الرقعة الوادعة والمسالمة من أرض السودان، والتي ظلَّت منذ القدم مساحة للتنافس غير الشريف لكافة الفعاليات والأحزاب السياسية السودانية والتي أنكرت سنيناً على المنطقة بمشروعية حقها في العيش بأمن وسلام وارتأت إدارتها وُفُقِ إستراتيجية التقسيم الطائفي والولاء الحزبي الهادفين إلى تمكين هؤلاء الطفيليين من الإثراء والإيثار بخيرات المنطقة دون اليسير من رد الجميل أو مقابلة الإحسان بالإحسان. فمنطقة جبال النوبة قد غدت حديقة خلفية لتأمين احتياجات الساسة وزمرتهم للوصول لمرافئ أهدافهم وتطلعاتهم وعليها تأبى نفوسهم أن يَرتَقِي لها أبنٌ من أبناء جِلدَتها يكون نبراساً أو منارةً يُهتَدى به في غياهب الظلمات السياسية أو المظالم الاجتماعية والتنموية. إنَّ السؤال الذي يطفح للسطح دوماً هو: ماذا اقترفنا من ذنبٍ أو جُرمٍ حتى يُكتَب علينا العيش في دوامة الفتنِ والاحتراب؟ وهل يتوجَّب علينا العيشَ أذلاء أينما وُجِدنا في سهول الوديان أو حَلَلْنا في أطراف المدائن؟ وهل شيمتنا هي النعت بسواد الإدام المُطَوِّقة لفاخر البنيان تارة أو بالجنوبيين الجدد إنْ تفرَّقت كلمة القوم وأدَّت للانفصال تارةٌ أُخرى؟ فهل أهْلَك القوم إلا ذِلَل اللسان!!
إنَّ تزامن هذا المقال مع تصريح السيِّد/ باقان أموم الأمين العام للحركة الشعبية لتحرير السودان والذي إتَّهم فيه صراحة المؤتمر الوطني الحاكم ورئيسه السيِّد/ عمر البشير بتكوين وتدريب وتمويل ميليشيات جنوبية موالية للمؤتمر الوطني والدفع بها للحدود بهدف تغيير حكومة الجنوب قبل التاسع من يوليو القادم لَيٌدعِم ويُعزِّز، بل ويؤكِّد ضخامة التآمر الذي يُنظَّم حلقاته لزعزعة أركان الحركة الشعبية لتحرير السودان في كل موضع وموقع بالسودان، وبالأخص جبال النوبة (وسترك يا رب).
إنَّ الأموال التي تُغَذَّى بها ذوي الضمائر الميِّتة هؤلاء لإشعال الفتنة وإضرام نيرانها في سكون الجبال ووداعتها ومن ثَمَّ زعزعة الاستقرار والإعمار، لحرِّي لها أن تُوَظَّف للتنمية والاستثمار إن ابتغت الطُغَمُ الحاكمة موالاة أهل الجبال لها ومؤازرتها. إنَّ رضاء الرعية عن وُلاتِها لا تُشْتَرى بالأموال ولا تُنالُ عُنْوةً بالإرهاب ولكنها إحساس يُوهَب وعاطفة تُكْسَب؛ إنَّ تسخير تلك الأموال لإثارة الشحناء وتغذية روافد البغضاء بين أبناء المنطقة ونسيجها الاجتماعي ستتولَّد عنها عاصفة ٌ تدك حصوناً ظنَّ القوم أنها بمنـأى عنها، وكما يقول المثل: "اللِّي بيتو قزاز ما يجدِّع الناس بالحِجار". إنَّ أزمات المشاكل السودانية هي أزمة ضمائر فهي لا تستعصي على الإدراك والفهم ولكنها تخليق مخطط لها باتساق ما إن تخبو وتيرتها إلا وتولَّدت عنها أخرى هي أنكى وأمر من أولها، وهكذا يصطادُ القوم من عكرِ المياه الآسنة التي ألفوا الإسباح فيها.
إنَّ شطَّة الحركة الشعبية ـ ورغم حرارتها أحياناً ـ إلا أنَّها تفتح النفسَ لِ(س) من الأُمور لا تُدْرك في غيرِها، أما ديمقراطية المؤتمر الوطني المزعومة هذه فهي تحمل في ثناياها سُمَّاً زعافاً بانت نتائجه في كثيرٍ من أبناء جبال النوبة بُعَيد إعلان الجهاد على المنطقة وقبلها وجلبت عليها وعلى مواطنها التشتت فتفرَّقت الناس أشتاتاً وأشتات ودُكَّ إسفين الانقسام في نسيج الوحدة الوطنية الذي وَهُنَ واتسعت خُرقته المُتَّسعة أصلاً. على أبناء الجبال والذين يعاونون ذوي النفوس المُغْرِضة أن ينتبهوا لجملة المؤامرات التي لا زالت تُحاك على منطقتهم وعلى أهلهم، وما يمتلكون من القليل لأسباب عيشهم، أقولُ لهم قُوُّوا أنفسكم، وصُونوا أهلكم، وأمعِنوا النظر في نتائج وإفرازات الحروب بينكم، وأعلموا أنَّ ما كَسَبْتُم من نعمةٍ ضُحىً فهي لا محالة زائلة مساءً، وما غنمتم وضح النهار فهو مسلوب دُجى الليل، وتذَكَّروا أنَّ الفتنةَ والسَّاعين لها لن تُمحَ من ذاكرة شعوبِكم الصابرة على المحن والبلاء وعليكم ألا تنساقوا وراء ذلكم الطَّعم من ملايين البنك الزراعي هذه، فإن أوَّله مضغة وآخره منغصة لا تَنْفكَّ تجري في دماء الخونة ذمَّاً وتأنيباً.