أعلن الرئيس المصري حسني مبارك في بيان أذاعه التلفزيون الرسمي أمس، تفويض نائبه عمر سليمان في اختصاصات رئيس الجمهورية، وأكد حزمة من الإصلاحات التي وعد بها شعبه من قبل، وطالب بها متظاهرون معتصمون في ميدان التحرير بوسط القاهرة. وتباينت ردود الفعل حول خطاب الرئيس الذي تبعه خطاب من نائبه أكد فيه نفس المعاني التي طرحها الرئيس المصري، مؤكداً دعوته للشباب بالتهدئة من أجل صالح ومستقبل مصر. وإلي نص الخطاب: «إلى شباب مصر وكل الشعب أتوجّه إليكم بحديث من القلب وكحديث الأب لأبيه، وأقول لكم إنّي أفتخر بكم كجيل جديد يطمح للأفضل، ودماء شهدائكم لن تضيع هدراً ولن أتهاون في محاسبة المسؤولين عنها بأقسى ما ينص عليه القانون من عقوبات، وأقول لعائلات هؤلاء الضحايا إنّي تألّمتُ كل الألم كما أنتم، والتزامي بالاستماع لصوتكم والوفاء بما تعهّدت به لا رجعة فيه، وأنا عازم على الالتزام بكل ما تعهدت به».
أنا مقتنع تمام الاقتناع بصدق نواياكم وتحرككم وأن مطالبكم هي عادلة ومشروعة، والأخطاء موجودة في أي نظام ودولة، ولكن المهم الاعتراف بها ومحاسبة مرتكبيها، وأنا كرئيس جمهورية لا أجد حرجاً في الاستماع إلى شباب بلادي، لكن الحرج والعيب، وما لم ولن أقبله أن استمع إلى إملاءات خارجية تأتي من الخارج، أيا تكن مبرراتها أو ذرائعها.
لقد أعلنت بعبارات لا تحتمل الجدل عن عدم ترشيحي للانتخابات الرئاسية المقبلة مكتفيًا بستين سنة قضيتها في خدمة الوطن، وطرحتُ رؤيةً محددةً للخروج من الأزمة الراهنة وتحقيق ما دعا إليه الشباب والمواطنون على نحوٍ يحقّق استقرار مجتمعنا، ويطرح في الوقت نفسه إطاراً متفقاً عليه للانتقال السلمي للسلطة لمن سيختاره الشعب المصري لتمثيله في الانتخابات القادمة في أيلول المقبل.
لقد طرحتُ هذه الرؤية وأنا أُتابع المضي في تحقيقها ساعة بساعة، متطلّعاً إلى مساندة كل حريص على مصر وشعبها، ولقد بدأنا حواراً فعّالاً وبنّاءً يضم شباب مصر وكافة القوى، وأسفر هذا الحوار عن توافق يضع أقدامنا على الطريق الصحيح للخروج من الأزمة.
سأتابع الطريق لتحويل هذه الرؤية إلى واقع ملموس تسهر على تنفيذه قواتنا المسلحة، وأنا سأحافظ على هذا القسم حتى نبلغ بمصر بر الأمان.
هذا الحوار الذي بدأناه تلاقى على تشكيل لجنة دستورية تتولّى دراسة تعديل الدستور، وتشكيل لجنة متابعة تتولى متابعة تنفيذ ما تعهّدت به أمام الشعب، وقد حرصت على تشكيل اللجنتين من الشخصيات المشهود لها بالتجرد.
لقد تلقيتُ بالأمس تقريراً بالتعديلات الدستورية ذات الأولوية المقترحة من اللجنة التي شكّلتها من فقهاء القانون، وإنّني وتجاوباً مع ما تضمّنه تقرير اللجنة من مقترحات وبمقتضى صلاحياتي وفقاً للمادة 189 من الدستور فقد تقدمتُ اليوم بطلب تعديل المواد 76 و77 و88 و93 فضلاً عن إلغاء المادة 179 من الدستور، مع تأكيد الاستعداد بالتقدم بطلب تعديل كل المواد التي تنتهي اليها اللجنة الدستورية، وفق ما تراه مناسبًا وضروريًا.
تستهدف هذه التعديلات تسهيل الترشح للرئاسة واعتماد عدد محدد من سنوات الرئاسة لضمان تداول السلطة، كما تؤكد اختصاص القضاء للنظر في صحة انتخاب أعضاء البرلمان، أما إلغاء المادة 179 ففتح الباب أمام إيقاف العمل بقانون الطوارئ فور عودة الهدوء وتوافر الحالات الممكنة لرفع حالة الطوارئ، وهذا الإلغاء يهدف لتحقيق التوازن المطلوب بين حماية الوطن من خطر الإرهاب وضمان احترام الحقوق المدنية للمواطنين.
إزاء ما فقدناه من شهداء في أحداث مأساوية حزينة، أصدرت تعليماتي بسرعة الانتهاء من التحقيقات وإحالة نتائجها على الفور إلى النائب العام.
الأولوية هي لاستعادة الثقة بين المصريين ولاستعادة الثقة بسمعة مصر الاقتصادية والدولية. مصر تمر في أوقات عصيبة لا يجب الاستمرار بها كي لا يزيد ما أصابنا من خسائر، وينتهي بنا الأمر إلى أن يكون الشباب الذين دعوا إلى التغيير أول المتضررين.
الأمر ليس متعلّقاً بشخصي، بحسني مبارك، بل بمصر، إن المصريين اليوم في خندق واحد، ويجب مواصلة الحوار بروح الفريق وليس الفرقاء، وبعيداً عن التناحر. لقد شهدتُ حروب هذا البلد، وعشت أيام الانكسار وأيام النصر والتحرير، وكانت أسعد أيام حياتي عندما رفعت علم مصر فوق سيناء، لم اخضع يوما لضغوط أجنبية او أملاءات، وعملت من أصل سلامة مصر، لم اسعَ يوما لسلطة أو شعبية زائفة، وأثق أن الأغلبية من الشعب يعرفون من هو حسني مبارك.
إنني إذ أعي تمامًا المفترق الحالي الصعب، أرى أنه علينا تغليب المصلحة العليا للوطن وأن نضع مصر أولا، ورأيت أيضًا أن أفوّض نائب رئيس الجمهورية في اختصاص الرئيس على النحو الذي يحدده الدستور.
أنا أعلم أن مصر ستتجاوز أزمتها وستفيق من جديد بصدق وإخلاص أبنائها وسترد كيد الكائدين، أعلم علم اليقين أن مصر لن تنكسر إرادة شعبها، وأنها ستقف على أقدامها من جديد بكل أبنائها وسترد كيد الكائدين وشماتة الشامتين، وسنثبت أننا لسنا أتباعاً لأحد، وأن أحدا لا يصنع لنا قراراتنا سوى نبض الشعب ومطالب أبناء الوطن، وسنثبت ذلك بوحدة هذا الشعب وتمسكنا بعزة مصر وهويتها الخالدة فهي أساس وجودنا.
وستبقى مصر حتى أُسلِّم أمانتها ورايتها هي المسؤولية والواجب وأرض المحيا والممات، بلداً لا أفارقه ولا يفارقني حتى يوارني ترابه وثراه، وستظلّ مصر شعباً كريماً مرفوع الرأس.
وكان مئات ألوف المحتجين في مصر استقبلوا غياب مبارك عن اجتماع المجلس الأعلى للقوات المسلحة، في انعقاده أمس، وهو إجراء نادر الحدوث، بالهتافات المؤيدة للجيش، مطالبة في الوقت نفسه بالتأكيد على رحيل الرئيس المصري عن الحكم. وقرر المجلس الأعلى للقوات المسلحة الانعقاد بشكل دائم لمتابعة الأوضاع في مصر التي تشهد احتجاجات متواصلة ضد حكم الرئيس مبارك الممتد منذ 30 عاما.
وذكرت وكالة أنباء «الشرق الأوسط» الرسمية أمس أن المجلس عقد اجتماعه برئاسة حسين طنطاوي القائد العام للقوات المسلحة وزير الدفاع. وأذاع التلفزيون الرسمي المصري «البيان رقم واحد» الذي أذاعه الجيش وقال فيه: «انطلاقا من مسؤولية القوات المسلحة والتزاما بحماية الشعب ورعاية مصالحه وأمنه وحرصا على سلامة الوطن والمواطنين ومكتسبات شعب مصر العظيم وممتلكاته وتأكيدا وتأييدا لمطالب الشعب المشروعة.. انعقد يوم الخميس (أمس) الموافق العاشر من فبراير 2011 المجلس الأعلى للقوات المسلحة لبحث تطورات الموقف حتى تاريخه».
وأضاف البيان أن «المجلس الأعلى للقوات المسلحة قرر الاستمرار في الانعقاد بشكل متواصل لبحث ما يمكن اتخاذه من إجراءات وتدابير للحفاظ على الوطن ومكتسبات وطموحات شعب مصر العظيم». ولوحظ أن عمر سليمان نائب الرئيس لم يظهر في الاجتماع.
وتسبب ذلك في ظهور تكهنات بأن الجيش سيطر على مقاليد الحكم، خاصة وأنه لم يحدث أن أصدر المجلس الأعلى للقوات المسلحة المصرية أية بيانات وأعطاها أرقاما منذ حرب عام 1967 حين احتلت إسرائيل سيناء، وحرب عام 1973 وردت مصر بحرب لتحرير أراضيها عام 1973. إلا إنه وبعد فترة قصيرة من بيان الجيش أعلن التلفزيون المصري أن مبارك «مجتمع الآن» مع نائبه عمر سليمان وأنه استقبل بعد ذلك رئيس الوزراء أحمد شفيق، في ما بدا نفيا ضمنيا لتكهنات واسعة حول مغادرته للبلاد رددها على التلفزيون الرسمي نفسه بعض السياسيين والمحللين.
وأظهر التلفزيون الحكومي لقطات لمبارك وهو جالس خلف مكتبه في صمت، خلال اجتماع مع نائبه سليمان. وقال التلفزيون إنهما «اجتمعا اليوم (أمس)» إلا أن التوقيت لم يتضح خلال اللقطات. وكان مبارك قد رفض التنحي قبل الانتخابات الرئاسية المقررة في سبتمبر (أيلول) المقبل قائلا إن ذلك قد يؤدي إلى سقوط مصر في هاوية الفوضى، كما تعهد في أول هذا الشهر بألا يغادر مصر إلى المنفى، وأنه «سيموت ويدفن في تراب مصر».
ومنذ 25 الشهر الماضي خرج مئات الألوف من المصريين إلى الشوارع للمطالبة بتخلي مبارك عن السلطة وأسفرت الاشتباكات بين المحتجين وقوات الأمن عن مقتل 300 شخص على الأقل. وتعهد منظمو المظاهرات أمس بتنظيم مظاهرة كبيرة أخرى في الشوارع اليوم (الجمعة) تحت اسم «يوم الشهداء».
وسادت أمس أجواء حماسية مشوبة بالترقب بين المتظاهرين في ميدان التحرير بوسط القاهرة، وفي أرجاء مصر، حتى وقت متأخر من الليلة الماضية انتظارا للكلمة التي قال التلفزيون المصري أنه سيوجهها إلى الأمة، خاصة بعد أن هيمن المشهد المصري على اهتمام المراقبين في الداخل والخارج، حيث أعلن مدير الاستخبارات الأميركية جيمس كلابر أن الانتفاضة الشعبية في مصر وصلت إلى نقطة حاسمة وستكون لها «آثار في الأجل الطويل» على شمال أفريقيا ومنطقة الشرق الأوسط.
وقال الرجل الثاني في الخارجية الأميركية جيمس شتاينبرغ في إعلان أمام الكونغرس أمس، إن الولايات المتحدة ستعمل بما لا يسمح للاضطرابات في مصر أن تسبب «خطرا جديدا على إسرائيل والمنطقة»، مضيفا بقوله «إننا ملتزمون بالتأكد من أن التغيرات السياسية على حدود إسرائيل لا تسبب أخطارا جديدة على إسرائيل والمنطقة».
كما كررت بريطانيا دعوتها إلى تغيير سياسي عاجل في مصر. وجاءت هذه التطورات بعد أن كان مئات ألوف المتظاهرين يعدون لتسيير مظاهرة كبرى إلى القصر الجمهوري في ضاحية مصر الجديدة. وقال شهود عيان من ميدان التحرير أن قائد المنطقة المركزية بالجيش المصري، حسن الرويني، زار أمس ميدان التحرير، وقال للمحتجين إن «كل ما تريدونه سيتحقق»، مطالبا المحتجين بإنشاد السلام الوطني والحفاظ على أمن مصر.
الشرق الاوسط
إثر نقل مبارك جميع صلاحياته لنائبه..سفير مصر بواشنطن يعتبر سليمان "الرئيس الفعلي" من الآن فصاعداً
أعلن السفير المصري لدى الولايات المتحدة سامح شكري في مقابلة مع محطة التلفزيون "سي إن إن" يوم أمس الخميس أن "الرئيس الفعلي" في مصر من الآن فصاعداً هو نائب الرئيس المصري عمر سليمان، مشيراً إلى ان حسني مبارك نقل كل صلاحياته إليه، وفق ما نقلته وكالة الصحافة الفرنسية اليوم الجمعة 11-2-2011.
وقال شكري إن "الرئيس مبارك نقل صلاحياته لنائبه الذي أصبح مكلفاً بالقيام بكل مهام الرئيس".
وأضاف السفير "بإمكاننا القول إن (مبارك) هو الرئيس بموجب القانون ولكن نائب الرئيس هو الرئيس الفعلي".
وأوضح أن سليمان يصبح بهذه الصفة "المسؤول عن الجيش"، كون مبارك "نقل اليه جميع صلاحياته".
وأشار إلى أنه إلى أنه اتصل بمحطة "سي ان ان" كي يوضح "التباساً محتملاً" من جانب وسائل الإعلام حول الوضع في مصر بعد الخطاب الذي وجهه مبارك إلى الأمة.
ورداً على سؤال حول ما اذا كان مبارك لم تعد له سلطة، أجاب شكري "هذا بالتأكيد هو التفسير الصحيح" للوضع على حد قوله، مضيفاً أن (مبارك) قال بوضوح تام إنه نقل كل سلطته الرئاسية إلى نائبه.
العربية