خالد عويس
و(أبوالعفّين) هذا سياسيٌ سوداني نال شهرةً طبقت الآفاق، لا لعقله الاستراتيجي الجبّار الذي نقل السودان إلى مصاف دول العالم الثاني كما فعل مهاتير محمد في ماليزيا، ولا للمشوار النضالي الطويل الذي مضى فيه وكان طابعه التسامح الإنساني الجميل كما هو شأن (الكبير) نلسون مانديلا و(الكبير) مارتن لوثر كينغ، ولا لقدراته الخطابية الفذّة مثل روبيسبير في الثورة الفرنسية، فشهرة (أبوالعفّين) تعود فقط إلى بذاءة لسانه وقبح أفعاله.
(أبوالعفّين) ما ترك مناسبةً إلا وكال خلالها الإساءات للشعب السوداني ومعارضته ورموزه. ويبدو أن (أبوالعفّين) وحكومته التي تدعي الإسلام في خوفٍ بالغ من المآل الذي انتهى إليه (زين العابدين بن علي) وكبار مساعديه خاصةً الأمنيين !!
خوفهم العظيم يدفعهم إلى التخبط واطلاق البذاءات، وآخرها تهديده بشلّ حرية المعارضة وحركتها ! (أبوالعفّين) توعد المعارضة بأنها لن تقوى على تكرار ما جرى في تونس لأنها لا تملك الجرأة ولا العدد لاشعال انتفاضة ضد نظامه !!
وبمقدور (أبوالعفّين) أن يصبح (كوميدياناً) في بعض الأحيان، فهو لم ينس الاشارة إلى أن (هذا العالم المتأزم يجد في المواطنين بالسودان المثال والقدوة في السماحة في التعايش بين الأديان والمعتقدات) !! يا إله السموات والأرضين !! من سيقدر على امساك نفسه من الضحك حتى يسقط عن مقعده هذا إن استطاع الجلوس !
على البلدان الأوروبية وعلى الولايات المتحدة وعلى العالم بأسره أن ينظر بإعجاب منقطع النظير، بل ويتعلّم من (أبوالعفّين) في ما يتعلق بـ(التعايش) و(السماحة) !!
سُلطة (أبوالعفّين) لم تدع مجالاً في السودان لأي (تعايش) أو (تسامح). فطائرات الأنتينوف التي يحركها (أبوالعفّين) ورفاقه دمرت بما كانت تلقيه على رؤوس الجنوبيين أيّ أملٍ في التعايش. وكذّبت أعداد الأسرى الذين سلمهم جيش (أبوالعفّين) إلى الصليب الأحمر عقب وقف الحرب في الجنوب في 2005، كذّبت الهراء الذي يطلقه (أبوالعفّين). فليحدثنا (أبوالعفّين) عن معاملة الأسرى من منظور إسلامي ومن منظور حكومته. حكومته لم تبق على أسيرٍ واحدٍ لتسلمه إلى الجيش الشعبي في مقابل مئات الأسرى سلمهم الجيش الشعبي (الكافر)، (المتمرد)، الذي لا أخلاق له !!
طائرات الأنتينوف بعدما أكملت مهامها الإنسانية في نشر الدين والعروبة في الجنوب، اتجهت إلى دارفور لتحصد أرواح النساء والأطفال والشيوخ، وكأن مشروع (أبوالعفّين) الحضاري هو مشروعٌ للدمار والإفناء. لم يترك (أبوالعفّين) وحكومته حتى دول الجوار، وإلا فمن حاول قتل الرئيس المصري، محمد حسني مبارك في إثيوبيا؟
قتل (أبوالعفّين) السودانيين بدمٍ بارد في بورتسودان وكجبار وسنّار وجبال النوبة. قتل في (بيوت الأشباح). كان كبار مسؤولي نظام (أبوالعفّين) يقفون جنباً إلى جنب حين قُتل 28 ضابطاً بطريقةٍ وحشية لم تُراع فيها حتى الأعراف والنظم العسكرية في الـ10 الأواخر من رمضان، فأين هو (التسامح) و(التعايش)..و(أبوالعفّين حايم)؟!
أين كان (التسامح) حين أشرف (أبوالعفّين) بنفسه على تعذيب أستاذه ثم زميله في جامعة الخرطوم، الدكتور محمد إبراهيم؟
دعوا الدكتور فاروق محمد إبراهيم يحكي:
(إن ما يميز تجربة التعذيب الذي تعرضت له في الفترة من 30 نوفمبر الي 12 ديسمبر 1989 ببيت الأشباح رقم واحد الذي أقيم في المقر السابق للجنة الإنتخابات أن الذين قاموا به ليس فقط أشخاص ملثمين تخفوا بالأقنعة وإنما كان علي رأسهم الواء بكري حسن صالح وزير الدفاع الراهن ورئيس جهاز الأمن حينئذ والدكتور نافع علي نافع الوزير ورئيس جهاز حزب المؤتمر الوطني الحاكم اليوم ومدير جهاز الأمن حينئذ,وكما ذكرت في الشكوى المرفقة التي تقدمت لكم بها بتأريخ 29 يناير 1990 من داخل السجن العمومي وأرفقت نسخة منه لعناية اللواء بكري,فقد جابهني اللواء بكري شخصيا وأخطرني بالأسباب التي تقرر بمقتضاها تعذيبي ومن بينها قيامي بتدريس نظرية التطور في كلية العلوم بجامعة الخرطوم,كما قام حارسه بضربي في وجوده.ولم يتجشم الدكتور نافع تلميذي الذي صار فيما بعد زميلي في هيئة التدريس في جامعة الخرطوم,عناء التخفي وإنما طفق يستجوبني عن الأفكار التي سبق أن طرحتها في الجمعية العمومية للهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم وعن زمان ومكان إنعقاد اللجنة التنفيذية للهيئة,ثم عن مكان تواجد بعض الأشخاص كما ورد في مذكرتي وكل ذلك من خلال الضرب والركل والتهديد الفعلي بالقتل وبأقوال وأفعال أعف عن ذكرها فعل الدكتور نافع ذلك بدرجة من البرود والهدوء وكأنما كنا نتناول قهوة في نادي الأساتذة) !!
(أبوالعفّين) كان يرغي ويزبد ويهدد ويتوعد خلال مشاركته في أعياد ميلاد المسيح في شندي !! ألم يشر رئيس (أبوالعفّين) قبل ثلاثة أسابيع – من القضارف – إلى أنه لا مجال بعد الآن لأي حديث عن تعدد ديني أو ثقافي في البلاد وأن أي حديث كهذا هو محض (دغمسة)؟ ما الذي جعل (أبوالعفّين) وحكومته يهرولان إلى الأقباط؟ أهي محض (دغمسة) أم (انكسار) لأن الغرب (الكافر)، (اللئيم)، (المتآمر) حذّر (أبوالعفّين) وحكومته من أن (حديث القضارف) هو (الدغمسة) بذاتها؟
(أبوالعفّين) في حديثه قال إن حكومته ستكون بالمرصاد لـ(الطغاة) و(المتآمرين) !
حسناً، في أدبيات حكومة (أبوالعفّين) منذ أتت، (الطغاة) هم الأمريكيون..(الطاغية الأمريكان ليكم تسلحنا)، فهل تُرى أجبر (أبوالعفّين) الجنرال سكوت غرايشن على الإسلام، أم ذهب الجنرال صلاح قوش إلى (لانغلي) مقر وكالة المخابرات الأميركية حاجّاً؟ ألم يعترف وزير خارجية (أبوالعفّين) بعد دخول القوات (الطاغية) إلى أفغانستان بأنهم سلّموا عدداً من المطلوبين و(الملفات) إلى مخابرات (الطاغية)؟
لماذا لم يكن (أبوالعفّين) بالمرصاد لطائرات (العدو) الإسرائيلي وهي تقصف قافلةً في شرق السودان؟
(أبوالعفّين) أسدٌ على شعبه ونعامةٌ عند مواجهة أميركا وإسرائيل.
(أبوالعفّين) – الآن – لا يستطيع رئيسه أن يغادر السودان إلى أية دولة خشية (الطغاة) الذين يتآمرون لاعتقاله، ومبعوثوهم يجوبون السودان طولاً وعرضاً و(أبوالعفّين) لا ولن يتجرأ عليهم بكلمة.
لو كان (أبوالعفّين) وحكومته في شجاعة الخليفة عبدالله التعايشي لاستقبلت جحافلهم القوات الدولية بـ(النحاس) والسيوف بدلاً من الانكسار المخزي بعد أن ملأوا الدنيا ضجيجاً وزعيقاً و(طلاقاً) !!
سودان (أبوالعفّين) يحتل المرتبة 177 بين 180 دولةً في الفساد وانعدام الشفافية.
المراجع العام الذي يعمل لدى (أبوالعفّين) يتحدث عن فساد حتى في ديوان الزكاة التي شُرّعت للمحرومين الذين حرمهم (أبوالعفّين) من تعليم وعلاج أبنائهم مجاناً، وحطم آمالهم ورغبتهم في الحياة.
تُرى أين يتعلم أبناء (أبوالعفّين) ورفاقه؟
أين يقضون فصل الصيف؟
أتحداهم أن يقولوا لنا إن أبناءهم يصطافون تحت هجير الشمس في الخرطوم، ويكافحون شأنهم شأن أبناء عامة الشعب من أجل الحصول على كسرة خبز بلغ سعر 4 منها ألف جنيه سوداني !!
إنهم يصطافون في القاهرة وبيروت وكوالالامبور، ويلتقون بقياديٍّ بارز في حركة العدل والمساواة ويتبادلون أطراف الحديث معه مشيرين إلى أنهم غير راضين عن سلوك أبائهم !!
لماذا أصبحنا فقراء إلى هذا الحد يا (أبوالعفّين)؟
لأنكم تنفقون 100 مليون دولار – شهرياً – على القطاع السيادي، القصر الجمهوري والحاشية و(طرابلسية) السودان !
لأنكم تنفقون 2,4% من ميزانية الدولة على التعليم والعلاج معاً، في ما تذهب 74% للأمن الذي أنشأ فيه (أبوالعفّين) كتيبتين (عنصريتين) فقط من أبناء حجر العسل وحجر الطير !
فرد جهاز الأمن يتلقى راتباً شهرياً لا يقل عن مليوني جنيه، في ما نائب الأخصائي في أي مستشفى يقل راتبه عن 750 ألف جنيه !!
تُرى كم هو راتب المعلّم؟ العامل؟
على ماذا تحصل (ست الشاي) و(سائق الكارو)؟
هل هؤلاء هم (الطغاة) يا (أبوالعفّين) أم أنتم؟
لماذا لا يحدثنا (أبوالعفّين) عن المستشار الرئاسي الذي يملك فيلا فخمة في مسقط رأسه في الولاية الشمالية، وفيلا أخرى فخمة في الخرطوم، ومع ذلك ذهب ليتسوّل الشيوخ في عاصمةٍ خليجية ليبنوا له بيتاً بحجة أنه لا يملك واحداً؟
إنه المستشار ذاته الذي نعتنا جميعاً بـ(الشحاذين) !!
(أبوالعفّين) يخشى المصير القاتم، لذا لا يتورع عن تهديد الشعب السوداني وترويعه. كلا يا هذا، فالشعب لم يعد لديه ما يخسره. حتى اللصوص أقلعوا عن السرقة لأنه لم يبق في البيوت التي كانوا يتسورونها شيئاً لُيسرق !!
الشعب السوداني لم يعد لديه ما يخسره، أنتم يا (أبوالعفّين) من يخشى الخسارة.
تخشون خسارة (اللاندكروزر 2011)، و(سيارة الأبناء)، و(سيارة الزوجة)، وطواقم الحراسة، و(الفيلا الفخمة) والرصيد المصرفي الذي يتجاوز ملايين الدولارات !!
أنتم من يخشى مصير (زين العابدين بن علي) و(تشاوشيسكو) و(جعفر نميري) !!
أنتم من يخاف انحياز قوات الجيش والشرطة للشعب السوداني إذا ثار عليكم.
تعلمون جيداً أن جهاز الأمن وحده هو من سيحاول حمايتكم. تعرفون أن جهاز الأمن لن يقوى على مكافحة الثورة التي لن تشتعل هذه المرة في الخرطوم وحدها، فشندي جرّبت الخروج، ومدني أجرت (بروفتين) ناجحتين، وكذا فعلت الحصاحيصا. و(الجزيرة أبا) والنيل الأبيض. وبورتسودان تتململ. والمعارضة السودانية تعيش أفضل حالاتها منذ سنوات. وهي، ومعها الشعب تلقوا رسالةً قويةً من شعب تونس:
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر.
ونحن نريد الحياة يا (أبوالعفّين)
نريدُ أن نتعلم ونعلّم أولادنا مجاناً.
نريدُ أن نتعالج مجانا، ولا نخشى الفاقة حين نتوجه إلى المستشفيات.
لا نريد أن ندفع 8,5 آلاف جنيه ثمناً لجالون بنزين.
نريد أن نبتاع خبزاً رخيصاً تدعمه الحكومة.
نريد أن نحافظ على كرامة نسائنا وأخواتنا وأمهاتنا من الجلد.
نريد أن نتوجه إلى المحكمة فلا نبحث عن واسطة.
نريد أن نعمل ولا أحد يسألنا عن قبائلنا قبل التوظيف.
نريد لجامعاتنا أن تسترد هيبتها.
ولمشروع الجزيرة أن يزدهر، ولمشاريع النيل الأبيض، والشمالية والقضارف.
نريد ألا نطأطيء رؤوسنا في مطارات العالم ونحن نمدّ أيادينا بجوازات سفرٍ صارت تجلب لنا تهم الإرهاب والترويع.
لا نريد لطفلاتنا وأطفالنا أن يكونوا فرائس للذئاب البشرية. نريد للقانون ورجال القانون أن يؤدوا دورهم في حماية الأطفال من الاغتصاب عوض حماية (أبوالعفّين) و(أبوالدقيق) !!
نريد للعاطلين عن العمل أن يتوظفوا حتى لا يكونوا عرضةً للاحباط والأذى النفسي الذي يدفع بعضهم لاغتصاب الأطفال.
نريد أن نحيا في سلام.
نريد لمشكلة السودان في دارفور أن تُحل لتوقد نار القرآن مرةً أخرى هناك.
نريدُ لفتياتنا أن يجدن لقمة شريفة، ولا نريد لهن الابتزاز الجنسي بواسطة رجال القانون.
نريد أن تكون الشرطة في خدمة الشعب لا الحكام.
نريد أن نعيش دون خوف.
نريد أن نتديّن على طريقتنا الصوفية الجميلة، لا أن تُقسرنا السلطة على التديّن، وهي سلطة قاتلة سارقة فاسدة ومفسدة.
نريد للدين أن يكون حيّاً بيننا، يخرج معنا إلى الشارع في رمضان ليدعو الغرباء إلى مائدة الإفطار، ويذهب معنا إلى المقابر لدفن الأموات، ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويعود المريض، ويصلّي ويصوم ويزكي ويحفظ الله دون جلبة وصراخ. لا نُريده أن يكون جلاداً بيده السوط والسيف. نُريده أن يطعمنا أولاً ويؤمننا من الخوف، لا نريده للتخويف، نريده للمحبة والتسامح.
نريد لديننا أن يكون مثل أجدادنا الطيبين وجداتنا المسالمات الحكيمات، لا نريده متهيّجا ملتحياً كاذباً يسرق ويكذب ويزني ويقتل ويعذّب ثم يأمر الناس بالبر !!
نريد أن نمسك بأكفّ زوجاتنا ونروح نتجول في شارع النيل دون أن يسألنا رجال شرطة النظام العام عن بطاقات هوياتنا.
نريد أن نسهر مع محمد وردي حتى الصبح دون أن يعكّر صفونا وصفو فرحنا شبانٌ من النظام العام لا يعرفون قيمة وردي ولا محمد الأمين ولا الكابلي !
نريد أن نسترجع حياتنا وأحلامنا في مستقبل مشرق، لا أن نفكر في ما يخبئه لنا الغد من زيادة في الأسعار أو انفصال جزء آخر من الوطن.
نريد أن نحيا يا (أبوالعفّين) وأنتم تحولون بيننا وبين الحياة، فمن سيتنحى من طريق الآخر، نحن أم أنتم؟
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
فلابد أن يذهب (أبوالعفّين) !
وليفهم (أبوالعفّين) جيدا، بقدر العنف الذي ستمارسه السلطة على الشعب، سيكون الحساب. نحن نتمنى ألا يكون الحساب عسيرا يسبق حتى إجراءات المحاكمات و(رحلات الهروب) على (التونسية) أو (الهولندية). نحن نتمنى أن يتنبه العقلاء في المؤتمر الوطني إلى المخاطر المحدقة بهم هذه المرة. فالحلُ بأيديهم لتجنّب شلالات الدم التي سيبدأها حتماً المؤتمر الوطني – إن لم ينصت لصوت العقل – وستغرقه هو في نهاية المطاف.
نحن نتمنى صادقين ألا يكون التغيير عنفياً نتيجة ازدراء المؤتمر الوطني وتعاليه واستحقاره لشعبه. نتمنى أن يكون (الدرس التونسي) مفيداً قبل أن يفوت أوان التوسلات والرجاء المذّل كما جرى لـ(زين العابدين بن علي) في تونس، ومع ذلك اقتلعه الشعب.
الشعوب يا (أبوالعفّين) أقوى من أجهزة الأمن في العالم مجتمعة.
والتغيير قادم. التغيير قادم بفضل الجماهير، كما حدث في أوروبا الشرقية، وأميركا اللاتينية، وإيران، وتونس. التغيير قادم كما حدث في أكتوبر وأبريل. التغيير قادم شئتم أم أبيتم. والتهديد والوعيد لن يزيدنا إلا تصميماً لوضع نهايةٍ لعهود التسلط والقهر والخوف في الوطن الحبي
خالد عويس
روائي وصحافي سوداني
khalidowais@hotmail.com
و(أبوالعفّين) هذا سياسيٌ سوداني نال شهرةً طبقت الآفاق، لا لعقله الاستراتيجي الجبّار الذي نقل السودان إلى مصاف دول العالم الثاني كما فعل مهاتير محمد في ماليزيا، ولا للمشوار النضالي الطويل الذي مضى فيه وكان طابعه التسامح الإنساني الجميل كما هو شأن (الكبير) نلسون مانديلا و(الكبير) مارتن لوثر كينغ، ولا لقدراته الخطابية الفذّة مثل روبيسبير في الثورة الفرنسية، فشهرة (أبوالعفّين) تعود فقط إلى بذاءة لسانه وقبح أفعاله.
(أبوالعفّين) ما ترك مناسبةً إلا وكال خلالها الإساءات للشعب السوداني ومعارضته ورموزه. ويبدو أن (أبوالعفّين) وحكومته التي تدعي الإسلام في خوفٍ بالغ من المآل الذي انتهى إليه (زين العابدين بن علي) وكبار مساعديه خاصةً الأمنيين !!
خوفهم العظيم يدفعهم إلى التخبط واطلاق البذاءات، وآخرها تهديده بشلّ حرية المعارضة وحركتها ! (أبوالعفّين) توعد المعارضة بأنها لن تقوى على تكرار ما جرى في تونس لأنها لا تملك الجرأة ولا العدد لاشعال انتفاضة ضد نظامه !!
وبمقدور (أبوالعفّين) أن يصبح (كوميدياناً) في بعض الأحيان، فهو لم ينس الاشارة إلى أن (هذا العالم المتأزم يجد في المواطنين بالسودان المثال والقدوة في السماحة في التعايش بين الأديان والمعتقدات) !! يا إله السموات والأرضين !! من سيقدر على امساك نفسه من الضحك حتى يسقط عن مقعده هذا إن استطاع الجلوس !
على البلدان الأوروبية وعلى الولايات المتحدة وعلى العالم بأسره أن ينظر بإعجاب منقطع النظير، بل ويتعلّم من (أبوالعفّين) في ما يتعلق بـ(التعايش) و(السماحة) !!
سُلطة (أبوالعفّين) لم تدع مجالاً في السودان لأي (تعايش) أو (تسامح). فطائرات الأنتينوف التي يحركها (أبوالعفّين) ورفاقه دمرت بما كانت تلقيه على رؤوس الجنوبيين أيّ أملٍ في التعايش. وكذّبت أعداد الأسرى الذين سلمهم جيش (أبوالعفّين) إلى الصليب الأحمر عقب وقف الحرب في الجنوب في 2005، كذّبت الهراء الذي يطلقه (أبوالعفّين). فليحدثنا (أبوالعفّين) عن معاملة الأسرى من منظور إسلامي ومن منظور حكومته. حكومته لم تبق على أسيرٍ واحدٍ لتسلمه إلى الجيش الشعبي في مقابل مئات الأسرى سلمهم الجيش الشعبي (الكافر)، (المتمرد)، الذي لا أخلاق له !!
طائرات الأنتينوف بعدما أكملت مهامها الإنسانية في نشر الدين والعروبة في الجنوب، اتجهت إلى دارفور لتحصد أرواح النساء والأطفال والشيوخ، وكأن مشروع (أبوالعفّين) الحضاري هو مشروعٌ للدمار والإفناء. لم يترك (أبوالعفّين) وحكومته حتى دول الجوار، وإلا فمن حاول قتل الرئيس المصري، محمد حسني مبارك في إثيوبيا؟
قتل (أبوالعفّين) السودانيين بدمٍ بارد في بورتسودان وكجبار وسنّار وجبال النوبة. قتل في (بيوت الأشباح). كان كبار مسؤولي نظام (أبوالعفّين) يقفون جنباً إلى جنب حين قُتل 28 ضابطاً بطريقةٍ وحشية لم تُراع فيها حتى الأعراف والنظم العسكرية في الـ10 الأواخر من رمضان، فأين هو (التسامح) و(التعايش)..و(أبوالعفّين حايم)؟!
أين كان (التسامح) حين أشرف (أبوالعفّين) بنفسه على تعذيب أستاذه ثم زميله في جامعة الخرطوم، الدكتور محمد إبراهيم؟
دعوا الدكتور فاروق محمد إبراهيم يحكي:
(إن ما يميز تجربة التعذيب الذي تعرضت له في الفترة من 30 نوفمبر الي 12 ديسمبر 1989 ببيت الأشباح رقم واحد الذي أقيم في المقر السابق للجنة الإنتخابات أن الذين قاموا به ليس فقط أشخاص ملثمين تخفوا بالأقنعة وإنما كان علي رأسهم الواء بكري حسن صالح وزير الدفاع الراهن ورئيس جهاز الأمن حينئذ والدكتور نافع علي نافع الوزير ورئيس جهاز حزب المؤتمر الوطني الحاكم اليوم ومدير جهاز الأمن حينئذ,وكما ذكرت في الشكوى المرفقة التي تقدمت لكم بها بتأريخ 29 يناير 1990 من داخل السجن العمومي وأرفقت نسخة منه لعناية اللواء بكري,فقد جابهني اللواء بكري شخصيا وأخطرني بالأسباب التي تقرر بمقتضاها تعذيبي ومن بينها قيامي بتدريس نظرية التطور في كلية العلوم بجامعة الخرطوم,كما قام حارسه بضربي في وجوده.ولم يتجشم الدكتور نافع تلميذي الذي صار فيما بعد زميلي في هيئة التدريس في جامعة الخرطوم,عناء التخفي وإنما طفق يستجوبني عن الأفكار التي سبق أن طرحتها في الجمعية العمومية للهيئة النقابية لأساتذة جامعة الخرطوم وعن زمان ومكان إنعقاد اللجنة التنفيذية للهيئة,ثم عن مكان تواجد بعض الأشخاص كما ورد في مذكرتي وكل ذلك من خلال الضرب والركل والتهديد الفعلي بالقتل وبأقوال وأفعال أعف عن ذكرها فعل الدكتور نافع ذلك بدرجة من البرود والهدوء وكأنما كنا نتناول قهوة في نادي الأساتذة) !!
(أبوالعفّين) كان يرغي ويزبد ويهدد ويتوعد خلال مشاركته في أعياد ميلاد المسيح في شندي !! ألم يشر رئيس (أبوالعفّين) قبل ثلاثة أسابيع – من القضارف – إلى أنه لا مجال بعد الآن لأي حديث عن تعدد ديني أو ثقافي في البلاد وأن أي حديث كهذا هو محض (دغمسة)؟ ما الذي جعل (أبوالعفّين) وحكومته يهرولان إلى الأقباط؟ أهي محض (دغمسة) أم (انكسار) لأن الغرب (الكافر)، (اللئيم)، (المتآمر) حذّر (أبوالعفّين) وحكومته من أن (حديث القضارف) هو (الدغمسة) بذاتها؟
(أبوالعفّين) في حديثه قال إن حكومته ستكون بالمرصاد لـ(الطغاة) و(المتآمرين) !
حسناً، في أدبيات حكومة (أبوالعفّين) منذ أتت، (الطغاة) هم الأمريكيون..(الطاغية الأمريكان ليكم تسلحنا)، فهل تُرى أجبر (أبوالعفّين) الجنرال سكوت غرايشن على الإسلام، أم ذهب الجنرال صلاح قوش إلى (لانغلي) مقر وكالة المخابرات الأميركية حاجّاً؟ ألم يعترف وزير خارجية (أبوالعفّين) بعد دخول القوات (الطاغية) إلى أفغانستان بأنهم سلّموا عدداً من المطلوبين و(الملفات) إلى مخابرات (الطاغية)؟
لماذا لم يكن (أبوالعفّين) بالمرصاد لطائرات (العدو) الإسرائيلي وهي تقصف قافلةً في شرق السودان؟
(أبوالعفّين) أسدٌ على شعبه ونعامةٌ عند مواجهة أميركا وإسرائيل.
(أبوالعفّين) – الآن – لا يستطيع رئيسه أن يغادر السودان إلى أية دولة خشية (الطغاة) الذين يتآمرون لاعتقاله، ومبعوثوهم يجوبون السودان طولاً وعرضاً و(أبوالعفّين) لا ولن يتجرأ عليهم بكلمة.
لو كان (أبوالعفّين) وحكومته في شجاعة الخليفة عبدالله التعايشي لاستقبلت جحافلهم القوات الدولية بـ(النحاس) والسيوف بدلاً من الانكسار المخزي بعد أن ملأوا الدنيا ضجيجاً وزعيقاً و(طلاقاً) !!
سودان (أبوالعفّين) يحتل المرتبة 177 بين 180 دولةً في الفساد وانعدام الشفافية.
المراجع العام الذي يعمل لدى (أبوالعفّين) يتحدث عن فساد حتى في ديوان الزكاة التي شُرّعت للمحرومين الذين حرمهم (أبوالعفّين) من تعليم وعلاج أبنائهم مجاناً، وحطم آمالهم ورغبتهم في الحياة.
تُرى أين يتعلم أبناء (أبوالعفّين) ورفاقه؟
أين يقضون فصل الصيف؟
أتحداهم أن يقولوا لنا إن أبناءهم يصطافون تحت هجير الشمس في الخرطوم، ويكافحون شأنهم شأن أبناء عامة الشعب من أجل الحصول على كسرة خبز بلغ سعر 4 منها ألف جنيه سوداني !!
إنهم يصطافون في القاهرة وبيروت وكوالالامبور، ويلتقون بقياديٍّ بارز في حركة العدل والمساواة ويتبادلون أطراف الحديث معه مشيرين إلى أنهم غير راضين عن سلوك أبائهم !!
لماذا أصبحنا فقراء إلى هذا الحد يا (أبوالعفّين)؟
لأنكم تنفقون 100 مليون دولار – شهرياً – على القطاع السيادي، القصر الجمهوري والحاشية و(طرابلسية) السودان !
لأنكم تنفقون 2,4% من ميزانية الدولة على التعليم والعلاج معاً، في ما تذهب 74% للأمن الذي أنشأ فيه (أبوالعفّين) كتيبتين (عنصريتين) فقط من أبناء حجر العسل وحجر الطير !
فرد جهاز الأمن يتلقى راتباً شهرياً لا يقل عن مليوني جنيه، في ما نائب الأخصائي في أي مستشفى يقل راتبه عن 750 ألف جنيه !!
تُرى كم هو راتب المعلّم؟ العامل؟
على ماذا تحصل (ست الشاي) و(سائق الكارو)؟
هل هؤلاء هم (الطغاة) يا (أبوالعفّين) أم أنتم؟
لماذا لا يحدثنا (أبوالعفّين) عن المستشار الرئاسي الذي يملك فيلا فخمة في مسقط رأسه في الولاية الشمالية، وفيلا أخرى فخمة في الخرطوم، ومع ذلك ذهب ليتسوّل الشيوخ في عاصمةٍ خليجية ليبنوا له بيتاً بحجة أنه لا يملك واحداً؟
إنه المستشار ذاته الذي نعتنا جميعاً بـ(الشحاذين) !!
(أبوالعفّين) يخشى المصير القاتم، لذا لا يتورع عن تهديد الشعب السوداني وترويعه. كلا يا هذا، فالشعب لم يعد لديه ما يخسره. حتى اللصوص أقلعوا عن السرقة لأنه لم يبق في البيوت التي كانوا يتسورونها شيئاً لُيسرق !!
الشعب السوداني لم يعد لديه ما يخسره، أنتم يا (أبوالعفّين) من يخشى الخسارة.
تخشون خسارة (اللاندكروزر 2011)، و(سيارة الأبناء)، و(سيارة الزوجة)، وطواقم الحراسة، و(الفيلا الفخمة) والرصيد المصرفي الذي يتجاوز ملايين الدولارات !!
أنتم من يخشى مصير (زين العابدين بن علي) و(تشاوشيسكو) و(جعفر نميري) !!
أنتم من يخاف انحياز قوات الجيش والشرطة للشعب السوداني إذا ثار عليكم.
تعلمون جيداً أن جهاز الأمن وحده هو من سيحاول حمايتكم. تعرفون أن جهاز الأمن لن يقوى على مكافحة الثورة التي لن تشتعل هذه المرة في الخرطوم وحدها، فشندي جرّبت الخروج، ومدني أجرت (بروفتين) ناجحتين، وكذا فعلت الحصاحيصا. و(الجزيرة أبا) والنيل الأبيض. وبورتسودان تتململ. والمعارضة السودانية تعيش أفضل حالاتها منذ سنوات. وهي، ومعها الشعب تلقوا رسالةً قويةً من شعب تونس:
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
فلابد أن يستجيب القدر.
ونحن نريد الحياة يا (أبوالعفّين)
نريدُ أن نتعلم ونعلّم أولادنا مجاناً.
نريدُ أن نتعالج مجانا، ولا نخشى الفاقة حين نتوجه إلى المستشفيات.
لا نريد أن ندفع 8,5 آلاف جنيه ثمناً لجالون بنزين.
نريد أن نبتاع خبزاً رخيصاً تدعمه الحكومة.
نريد أن نحافظ على كرامة نسائنا وأخواتنا وأمهاتنا من الجلد.
نريد أن نتوجه إلى المحكمة فلا نبحث عن واسطة.
نريد أن نعمل ولا أحد يسألنا عن قبائلنا قبل التوظيف.
نريد لجامعاتنا أن تسترد هيبتها.
ولمشروع الجزيرة أن يزدهر، ولمشاريع النيل الأبيض، والشمالية والقضارف.
نريد ألا نطأطيء رؤوسنا في مطارات العالم ونحن نمدّ أيادينا بجوازات سفرٍ صارت تجلب لنا تهم الإرهاب والترويع.
لا نريد لطفلاتنا وأطفالنا أن يكونوا فرائس للذئاب البشرية. نريد للقانون ورجال القانون أن يؤدوا دورهم في حماية الأطفال من الاغتصاب عوض حماية (أبوالعفّين) و(أبوالدقيق) !!
نريد للعاطلين عن العمل أن يتوظفوا حتى لا يكونوا عرضةً للاحباط والأذى النفسي الذي يدفع بعضهم لاغتصاب الأطفال.
نريد أن نحيا في سلام.
نريد لمشكلة السودان في دارفور أن تُحل لتوقد نار القرآن مرةً أخرى هناك.
نريدُ لفتياتنا أن يجدن لقمة شريفة، ولا نريد لهن الابتزاز الجنسي بواسطة رجال القانون.
نريد أن تكون الشرطة في خدمة الشعب لا الحكام.
نريد أن نعيش دون خوف.
نريد أن نتديّن على طريقتنا الصوفية الجميلة، لا أن تُقسرنا السلطة على التديّن، وهي سلطة قاتلة سارقة فاسدة ومفسدة.
نريد للدين أن يكون حيّاً بيننا، يخرج معنا إلى الشارع في رمضان ليدعو الغرباء إلى مائدة الإفطار، ويذهب معنا إلى المقابر لدفن الأموات، ويرحم الصغير، ويوقر الكبير، ويعود المريض، ويصلّي ويصوم ويزكي ويحفظ الله دون جلبة وصراخ. لا نُريده أن يكون جلاداً بيده السوط والسيف. نُريده أن يطعمنا أولاً ويؤمننا من الخوف، لا نريده للتخويف، نريده للمحبة والتسامح.
نريد لديننا أن يكون مثل أجدادنا الطيبين وجداتنا المسالمات الحكيمات، لا نريده متهيّجا ملتحياً كاذباً يسرق ويكذب ويزني ويقتل ويعذّب ثم يأمر الناس بالبر !!
نريد أن نمسك بأكفّ زوجاتنا ونروح نتجول في شارع النيل دون أن يسألنا رجال شرطة النظام العام عن بطاقات هوياتنا.
نريد أن نسهر مع محمد وردي حتى الصبح دون أن يعكّر صفونا وصفو فرحنا شبانٌ من النظام العام لا يعرفون قيمة وردي ولا محمد الأمين ولا الكابلي !
نريد أن نسترجع حياتنا وأحلامنا في مستقبل مشرق، لا أن نفكر في ما يخبئه لنا الغد من زيادة في الأسعار أو انفصال جزء آخر من الوطن.
نريد أن نحيا يا (أبوالعفّين) وأنتم تحولون بيننا وبين الحياة، فمن سيتنحى من طريق الآخر، نحن أم أنتم؟
إذا الشعبُ يوماً أراد الحياة
فلابد أن يذهب (أبوالعفّين) !
وليفهم (أبوالعفّين) جيدا، بقدر العنف الذي ستمارسه السلطة على الشعب، سيكون الحساب. نحن نتمنى ألا يكون الحساب عسيرا يسبق حتى إجراءات المحاكمات و(رحلات الهروب) على (التونسية) أو (الهولندية). نحن نتمنى أن يتنبه العقلاء في المؤتمر الوطني إلى المخاطر المحدقة بهم هذه المرة. فالحلُ بأيديهم لتجنّب شلالات الدم التي سيبدأها حتماً المؤتمر الوطني – إن لم ينصت لصوت العقل – وستغرقه هو في نهاية المطاف.
نحن نتمنى صادقين ألا يكون التغيير عنفياً نتيجة ازدراء المؤتمر الوطني وتعاليه واستحقاره لشعبه. نتمنى أن يكون (الدرس التونسي) مفيداً قبل أن يفوت أوان التوسلات والرجاء المذّل كما جرى لـ(زين العابدين بن علي) في تونس، ومع ذلك اقتلعه الشعب.
الشعوب يا (أبوالعفّين) أقوى من أجهزة الأمن في العالم مجتمعة.
والتغيير قادم. التغيير قادم بفضل الجماهير، كما حدث في أوروبا الشرقية، وأميركا اللاتينية، وإيران، وتونس. التغيير قادم كما حدث في أكتوبر وأبريل. التغيير قادم شئتم أم أبيتم. والتهديد والوعيد لن يزيدنا إلا تصميماً لوضع نهايةٍ لعهود التسلط والقهر والخوف في الوطن الحبي
خالد عويس
روائي وصحافي سوداني
khalidowais@hotmail.com