القاهرة (رويترز)
يراقب زعماء عرب بتوتر المتظاهرين التونسيين الشبان وهم يجبرون رجل تونس القوي الذي تقدم في العمر على التنحي عن السلطة ويتساءلون عما اذا كان سيتعين عليهم أيضا تغيير أساليبهم الراسخة العتيقة من القمع السياسي. ويعتقد البعض أن تونس هي جدانسك العالم العربي وهي المدينة البولندية التي كانت ايذانا بالتغيير الذي اجتاح الدول الشيوعية في شرق أوروبا واحدة تلو الاخرى. لكن لم يتضح بعد ما اذا ما كان رحيل الرئيس التونسي زين العابدين بن علي سيترجم الى ثورة لصالح الديمقراطية أم أنه مجرد تغيير للوجوه في السلطة الراسخة. ولكن البعض يتساءل.. الى متى يستطيع الحكام العرب الذين يفتقرون الى الشعبية سواء كانوا في نظم ملكية مطلقة او كانوا ثوريين قد تقدم بهم العمر ويتشبثون بالسلطة الارتكان الى الاساليب الصارمة العتيقة للبقاء في سدة الحكم.
ويتابع الجميع عن كثب الاحتجاجات التي لم يسبق لها مثيل والتي هزت تونس عبر القنوات التلفزيونية الفضائية العربية ومن خلال الانترنت في أنحاء الشرق الاوسط حيث تشكل معدلات البطالة المرتفعة في أوساط الشباب والتضخم الذي يتفاقم بسرعة الصاروخ والفجوة الاخذة في الاتساع بين الاغنياء والفقراء - كلها مجتمعة - مخاوف خطيرة.
قالت ايمان وهي صاحبة مطعم في مصر رفضت الكشف عن اسمها بالكامل "هذا يمكن أن يجري في أي مكان." ومضت تقول "الصور التي يمكن أن نراها في هذه الاونة على الفضائيات ومن خلال الانترنت تعني أن الشعب الذي يجري اخضاعه عادة يمكن أن يرى الان اخرين وقد حصلوا على ما يريدون."
وقال كمال محسن (23 عاما) وهو طالب لبناني "لم نتعود على شيء كهذا في هذا القسم من العالم." وتابع قائلا "انه أكبر من حلم في منطقة ظل الشعب فيها يقول (ماذ بوسعنا ان نفعل)."
وبينما حلت الديمقراطية في العقود القليلة الماضية محل نظم استبدادية في مناطق ابتليت بحكام طغاة فان حكومات في العالم العربي كله تقريبا لاتزال استبدادية تفرض اجراءات أمنية قمعية.
لكن البعض يعتقد أن رحيل الرئيس التونسي المخضرم زين العابدين بن علي وكذلك الجهود التي بذلت في الجزائر لتهدئة غضب بسبب الزيادات في الاسعار أزالت حواجز الخوف التي كانت قائمة في أرجاء المنطقة منذ فترة طويلة.
وكتب عبد الرحمن الراشد في صحيفة الشرق الاوسط التي تصدر باللغة العربية في لندن بعد أن قدم بن علي تنازلات كبيرة وقبل أن يتنحي بشكب نهائي عن السلطة يقول "عسى أن تكون جميع الحكومات العربية تراقب بعيون واسعة ما يحدث في تونس والجزائر."
وقال "الكثير مما يحول دون الاحتجاج والعصيان هو الحاجز النفسي ليس الا."
وأضاف "الرئيس التونسي منح كل ما يستطيع من وعود لانهاء العصيان والجزائر تراجعت عن قراراتها التسعيرية.. لكن الحاجز النفسي قد كسر."
والحالة التونسية تذكرة لحكومات عربية لا تزال تعتمد على الاجراءات الامنية المشددة والرقابة الصارمة على وسائل الاعلام ودعم الاحتياجات الاساسية لتهدئة الاستياء.
ويمكن للقنوات الفضائية ووسائل الاعلام الاجتماعية من خلال الانترنت أن تفلت من اسار الاساليب الصارمة ويمكنها أن تدمج بسرعة احباطات الشبان في مناطق معزولة ومحرومة في حركة واسعة.
تقول جماعات حقوقية في تونس ان الحكومة تحظر الوصول الى كثير من المواقع على الانترنت ولكنها لم تمنع النشطاء من وضع لقطات فيديو لمتظاهرين مصابين بجروح بالغة على شبكة الانترنت مما أشعل المزيد من الغضب وأعطى للاحتجاجات زخما.
قال أحمد منصور الناشط الحقوقي والمدون المقيم في الامارات ان القصة كلها كانت ستختلف دون مواقع مثل الفيسبوك وتويتر ووسائل الاعلام الاخرى. وأضاف ان هذه الوسائل لعبت دورا حيويا في نقل ما يحدث في تونس الى العالم.
والرد المعهود على الاحتجاجات في أنحاء الشرق الاوسط وشمال أفريقيا - حيث تقل أعمار ما يتراوح بين نصف وثلثي سكان دولها عن 25 عاما - هو تقديم تنازلات فيما يتعلق بالوظائف والطعام الرخيص.
وجرى اخماد أعمال الشغب التي اندلعت في عدة بلدات جزائرية الاسبوع الماضي بعد أن وعدت الحكومة ببذل كل ما هو ضروري لحماية المواطنين من تكاليف المعيشة الاخذة في الارتفاع.
كذلك أعلنت ليبيا والمغرب والاردن عن خطط لخفض أسعار السلع الاساسية.
لكن الميزانيات تئن بسبب تكلفة الواردات من السلع الغذائية والوقود لاسيما في تلك البلدان التي لا توجد فيها احتياطيات كبيرة من الطاقة مما يترك لها مجرد مساحة محدودة لاسكات السخط الشعبي.
وقال صندوق النقد الدولي انه مع معدلات البطالة الحالية والمرتفعة للغاية بالفعل فان المنطقة في حاجة لان توفر ما يقرب من 100 مليون وظيفة بحلول عام 2020 .
ويميل داعمو الحكومات في المنطقة الى القاء المسؤولية عن أعمال الشغب على قلة الطعام الرخيص وليس على السياسات الحكومية الخرقاء. وقال نشطاء حقوقيون ان الاحتجاجات في تونس تستشري بسرعة لانه جرى قمع حرية التعبير والتجمهر لفترة طويلة.
وقال ستيفن كوك من المجلس الامريكي للعلاقات الخارجية على مدونته الاسبوع الماضي "هناك خطورة... في الاتكال على مقولة أن (الدولة العربية ستشق طريقها في النهاية)." ومضى يقول "قد لا تكون هذه هي الايام الاخيرة... (للرئيس المصري حسني) مبارك او أي زعيم اخر قوي في الشرق الاوسط.
"ولكن من الواضح أن هناك شيئا ما يحدث في المنطقة."
وتفرد قناة الجزيرة القطرية الفضائية التي بدأت البث في عام 1996 مساحة زمنية لبث الاضطرابات في تونس وتعرض مقابلات مباشرة مع شهود على الاشتباكات ومع شخصيات من المعارضة.
وفي اقرار - على ما يبدو - بمدى تأثير قناة الجزيرة على الرأي العام التونسي ظهر وزراء من الحكومة على الهواء لابداء وجهات نظرهم فيما يحدث. وأنحت الحكومة باللائمة في أعمال الشغب على قلة عنيفة من المتطرفين.
لكن لا تزال الاحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني في العالم العربي أضعف على ما يبدو من أن تستثمر السخط بينما تفقد الحكومات العربية سيطرتها على تدفق المعلومات.
وقال العربي صديقي المحاضر في سياسات الشرق الاوسط بجامعة اكستر في بريطانيا "خطأ من هذا.. المعارضة التي كانت تركز على التشهير بالنظم أكثر مما تركز على تنظيم صفوفها."
وربما كان على من يتوقع ثورة على مستوى المنطقة أن يطيل النظر الى مصر التي تستورد حوالي نصف الغذاء لاطعام سكانها البالغ عددهم 79 مليونا والتي تعاني من تضخم تجاوز نسبة عشرة بالمئة.
والتحدي الاكبر الذي تواجهه الدولة في مصر يأتي من اضرابات في الحزام الصناعي في منطقة الدلتا حيث يوجد جهاز أمني يتحرك بسرعة لقمع أي احتجاجات كبيرة في الشوارع وحيث جماعة الاخوان المسلمين جماعة المعارضة الرئيسية مبعدة عن العمل السياسي الرسمي.
قال لالي خليلي خبير السياسة في الشرق الاوسط في جامعة لندن "هناك نوع من الفصل بين الصراع الاقتصادي والصراع السياسي في مصر." ومضى يقول "الاضرابات مستمرة ولكنها لم تنتقل الى المجال العام."
ومع هذا فان ذلك قد يتغير اذا اسهم السخط المتزايد على ارتفاع أسعار السلع الغذائية في تغذية التذمر الاكبر بسبب الركود السياسي والاقتصادي ونقص الفرص وتراجع الحريات خصوصا بالنسبة لجيوش الخريجين الشبان الذين يلتحقون بقوة العمل سنويا دون أن تتوافر فرص حقيقية للحصول على وظيفة مجدية.
ويقول محللون اخرون ان الانترنت يستطيع تحويل المطالب الاجتماعية المتفاوتة الى حملة سياسية متماسكة ويشيرون الى النشاط من خلال شبكة الانترنت في ايران التي ساعدت في دفع الملايين الى الخروج الى الشوارع في أعقاب الاعلان عن نتائج انتخابات الرئاسة في عام 2009 .
قال محسن الطالب اللبناني "على الشباب في أنحاء العالم العربي أن يخرج الى الشوارع ويفعل الشيء نفسه.
"حان الوقت كي نطالب بحقوقنا."
وأضاف "يتعين على الزعماء العرب ان يكونوا مذعورين الان لانهم لم يقدموا لشعوبهم سوى الخوف لكنهم يخشون انه عندما ينتصر التونسيون فان حاجز الخوف سيتحطم وما حدث هناك سينتقل بالعدوى. انها مسألة وقت وحسب