الخرطوم: شوقي مهدي:
«طارق وهدى» شابان كعامة أهل بلادي، حلما معاً بأن يبنيا عش الزوجية ليبدآ حياتهما كزوجين مثلما يتمنى كثيرون، الا أن لزواجهما الذي سيكون مساء الغد قصة يجب أن تروى، فالعريسان «هدى وطارق» سجلاً فصلاً من فصول المساواة بين الرجل والمرأة وتشاركا سوياً كل تفاصيل الزواج ، كما أن «الحدث» في ذاته يمثل طفرة فوق حاجز الوعي السوداني، فهما خططا ليكون بيت الاسرة القادم هو نموذج لكثير من الشباب، الذي لطالما ارهقته تفاصيل تكوين حياة زوجية سعيدة تقوم علي المساواة والتشارك والبساطة.
دعوة الزواج كانت كالاتي: (الزملاء/ت والاصدقاء/ت الاعزاء/ت، لنا عظيم الشرف بدعوتكم/ن جميعاً لحضور حفل زفافنا في دار المهندس? العمارات شارع (7). سوف يكون حفل الزفاف في يوم الثلاثاء (8 مارس) تأكيداً لالتزامنا تجاه قضايا النوع الاجتماعي وحقوق المرأة وبالنسبة لنا ستكون ذكرى زواجنا السنوية تذكيراً لنا بأن النساء والرجال على مستوي العالم يناضلون/ن من أجل الوصول للعدالة الاجتماعية، كما وانها ستكون تجديداً لالتزامنا تجاه حقوق المرأة الانسان. مع فائق الاحترام _ هدى وطارق) هكذا ارادا ان تكون دعوة زواجهم ولعل القارئ يلاحظ ان أن (تاء) التأنيث ونون النسوة حاضرة حتي في دعوة الزفاف.
ان ترتيبات الزواج والتي شهدها كاتب هذا التقرير كانت تتم بالتنسيق وبالتساوي واراد الزوجان ان يسقطا كل ما من شأنه ان يثقل كاهلهما ويبسطا الزواج علي ابسط ما يكون بالتالي قاما بالغاء كل من الشيلة والشنطة ومقدمات ما قبل الخطوبة مثل فتح الخشم والدهب وفطور العريس وغيرها اللهم الا «شبكة» صغيرة قدمها العريس لخطبة عروسه، بل أن العريسين استأجرا شقة معاً معتمدين في ذلك علي نظرية ابتدعاها معا هي «قروشي وقروشها وقروشنا» فقام كل من العريسين بشراء شنطته من ماله الخاص وقاما ايضاً بدفع ايجار الشقة سوياً وكذلك ايجار النادي والفنان واثاث المنزل حتي ان «عدة» المطبخ اختاراها سوياً باعتبار ان منزل المستقبل حياته تقوم علي التساوي في الترتيب والنظافة والطبخ..
ولعل اللافت في هذا الزواج ان العريسين اصرا ان يكونا حاضرين لعقد قرانهما ومن ثم اوكلا من ينوب عنهما في عقد القران، وكان المشهد قل ان تشهده في الساحة السودانية وهو ان النساء والرجال حاضرون علي حد سواء في اثناء مراسم عقد القران، حتي ان احداهن كتبت في احدي المواقع الاجتماعية انها المرة الاولي في حياتها التي تشهد فيها عقد قران «علي الهواء مباشرة» كما تقول، لتردف «شكراً هدى وطارق بأن جعلتما هذا ممكناً»... فلقد كسرا حاجز ان العروس دائماً تنتظر بشرى عقد القران القادمة من المسجد او عبر صوت اطلاق النار لتخبرها باتمام عقد القران... بل ان العروس كانت جزءا أصيلا من ترتيبات اعداد منزل الزوجية السابق فكثيراً ما تجدها تقوم باعمال النقاشة والنظافة في الشقة التي استأجراها معاً، حتي انها لم «تحبس» نفسها مثل باقي العروسات اللائي يفضلن «الحبس» علي ان يقوم غيرهن بترتيبات الزواج، ولكن هدى وطارق شاركا بعضهما في كل شئ فبدءاً من اختيار الوان «الحيط» الي اعمال «النقاشة» وحتي الذهاب الي المغلق لاحضار معدات البوهية «والاصلاحات الداخلية» في المنزل... العرس ايضاً لم يشمل فطور العريس والريحة.
سألت طارق الدافع لهذه الحياة «التشاركية» فاجاب ان الغرض الاساسي ان يكون الزواج نموذجا لباقي الشباب والفكرة الا يكون نشاطنا كعاملين في مجال حقوق الانسان والعدالة الاجتماعية ندعو للمساواة في الانشطة وعندما يأتي الدور علي التنفيذ يصبح مجرد «شعارات» وحبرا علي ورق، فكان غرضنا ان نفتح الباب ضلفتين، ضلفة فكرة هي تسهيل الزواج وهي اننا فرحنا وتزوجنا بأقل التكاليف، والضلفة الثانية مربوطة بأن كل دعاة التغيير يصطدمون بالتقاليد وتعنت الاهل.. وكان قصدنا بأن ذلك يمكن أن يصبح واقعاً، مشيراً الي ان «العريسين»غالباً ما يصرفان مالاً كثيراً علي الاخرين «الحفلات الكثيرة التي تسبق الزفاف» ويصطدمان بانهما استدانا مبالغ كثيرة وقد يدخلا في أزمة مالية ومشاكل تواجه الشباب بعد الزواج. بالتالي اختصرا الحفلة في يوم الزفاف وحفلة صغيرة «حفلة حنة» حضرها العريس والعروس سوياً بعد عقد القران الذي كان بعد صلاة المغرب.
العروس هدي عندما سألتها عن المشاكل التي واجهتها قالت: بأنها واجهتها مشاكل من بعض الناس في الاسرة مع أن بعضهم كانوا متفهمين بينما الاخرون كانوا يرون بأنه لازم ان تكون هناك شيلة وشنطة وريحة وغيرها من العادات والتقاليد وكانوا ضد فكرة أن اشارك انا مادياً في العرس، الا أن امي وبعض المقربين في الاسرة كانوا في «صفي» وهناك مشاكل اخري وهي «العقد» فكنت متوقعة الا يوافق اهلي علي حضور العقد، فكانت النساء تقلن «انتي ما خجلانة وما خايفة؟ حتواجهي الرجال في العقد وقلبك قوي.. وان هذا شأن الرجال،» وتواصل: «انا انسانة وكنت متوترة وهذا شئ طبيعي، ولكن في نفس الوقت كانت مهمة بالنسبة لي بأن احضر العقد وهذه اول مرة في الاسرة ان تحضر البنت عقدها، وكان هذا سبب اضافي للتوتر... ولكن مجرد ما دخلت وجدت الدعم من اصحابي من جانب اهلي واهل «طارق» فالشخص الذي يكسر عرف المجتمع هذا ليس بالسهل ولكنني كنت مقتنعة بأن هذا حق من حقوقي ووجدت الدعم من طارق والاهل، هذا بالاضافة الي التعليقات من الناس من حولي سواء كانت من الاسرة او الاصحاب عندما يلتقونك قبل العرس بيوم، وانني لم «احبس» نفسي وتعليقاتهم على انني «اكسر» عادات قوية ومستوطنة، فكل هذا كان مصدر ضغط ولكن لم يثبط عزيمني فتجاوزناها سوياً. بفضل الاصحاب والاهل الذين وقفوا معنا وحتي اولئك الذين لا أعرفهم فوصلتني رسائل عبر الفيس بوك بالاشادة والوقوف معنا وكذلك رسائل الاعجاب، فكل هذا هو مصدر فخر واعزاز بالنسبة لنا.
من المحرر:
اذن «طارق وهدى»، استطاعا ان يجتازا الصعاب، ويسقطا عن كاهلهما كل العادات والتقاليد التي تكبل الشباب وتثقل خطاهم نحو عش الزوجية، استطاع الاثنان تجاوزها فقطعاً يستطيع الاخرون. فالقضية تحتاج الى توعية وتفهم من الشباب والاهل والمجتمع على حد سواء، وما «طارق وهدى» الا حجر في بركة السكون.. شكراً لهما بأن جعلا هذا واقعاً وممكناً خاصة وان نسبة العزوف عن الزواج بسبب هذه العادات وصلت ارقاماً يخفق لها القلب...
«الصحافة»
تتمنى للعروسين زواجاً سعيداً وعش زوجية مليئاً بالمحبة والمساواة ... الف مبروك.